السبت 2016/07/30

آخر تحديث: 11:00 (بيروت)

"خندق 56": ترف الخروج من الحرب الأهلية

السبت 2016/07/30
"خندق 56": ترف الخروج من الحرب الأهلية
increase حجم الخط decrease
يصعب التصديق بأن الكادرات الواردة ضمن فيلم "خندق 56" الوثائقي، التقطها 25 هاوياً، صوّروا الحرب الأهلية اللبنانية بعيون الحاضر.. فالمشروع تخطى فكرة تمكين الشباب المختلف في الدين والتوجه السياسي لتصوير رؤيته للحرب بعد ثلاثين عاماً، كونه يلغي الحواجز النفسية، بمعزل عن موروثات الحرب.
والحال أن الوثائقي الذي أنتجته شركة Blue House Film، وعرض في "مسرح المدينة"، وسيُعرض قريباً على إحدى الشاشات اللبنانية (لم يتم تحديد أي منها بعد)، يخرج عن المألوف والمتعارف في معالجة تراجيديا الحرب الأهلية المسيطرة على النتاج البصري اللبناني بما يشكله من انعكاس درامي لمجتمع ما بعد الحرب التقليدية بالسلاح والاقتتال العمليّ، والمستعد دائماً لإعادة إحيائها بشكلها العتيق، بعيداً من خطوط التماس الحقيقية والافتراضية وراء الشاشات التي يجري تحريكها عن بعد.

يعالج الوثائقي، الحرب، بعيون من لا قرار لهم فيها، وكانوا بمثابة ضحاياها سواء أكانوا جرحى أو أولاد القتلى. فهم وقودها ومن يدفعون ثمنها من دون أن يحققوا أي مكسب مقابل.. مثل هؤلاء عاشوا سوياً قبل الحرب الأهلية في مناطق مختلطة، أكلوا من الصحن نفسه، ثم ذبح بعضهم بعضاً على الهوية عند حواجز سيئة الذكر يحفظون أسماءها ولا يعتبرون من أحداثها.

اليوم، يعيش هؤلاء على تخوم خطوط تماس نفسية تدلل عليها إجابات تظهر في الفيلم لأهالي المنطقتين الواقعتين في العاصمة بيروت. الخندق الغميق حيث الغالبية شيعية، والطريق الجديدة حيث الغالبية سنية.. وقد اكتسب الفيلم اسمه منهما، بالنظر الى أن "56" هو الرمز المدني لمنطقة الطريق الجديدة. بعض هؤلاء لم يزر المنطقة الأخرى التي تبعد كيلومترات قليلة عنه، والصورة النمطية المرسومة في ذهنه عنها تحتاج الى الكثير من المعالجة النفسية التي يشكل "خندق 56" جزءاً منها.

الفيلم الذي عمل عليه 36 شاباً وشابة من المنطقتين، واستقروا أخيراً على 25 متطوعاً، تلقوا تدريبات مكثفة على التصوير والمونتاج والإعداد على مدى شهرين، يصور بشكل لا لبس فيه هشاشة التربية الوطنية وضعف الشخصية اللبنانية عندما يتعلق الأمر باكتشاف الآخر القريب الذي يشاركه ساعات تقنين الكهرباء وانقطاع المياه ومستوى الدخل الفردي المتدني، وتقبل أفكاره التي يتشارك معه نفسَها الطائفي غير المتديّن، والطوق الجذري نحو ابتكار سبل الانقسام والخلاف من المنزل الى الحي فالقرية والمدينة قبل أن تعمم على الوطن بأكمله..

نجح 25 شابا وشابة في الاختبار النفسي، فيما بايع المنسحبون الـ11 الآخرين من أصل المجموعة الأولى، الحرب بشكلها الجديد، واستسلموا للحواجز النفسية التي يرسمها خطاب الحرب البائد، ويعيد ابتكارها زعماء تلك الحقبة الذين انتصروا جميعاً!

في نهاية الفيلم ينجح الشبان والشابات في جمع مسنٍّ من طريق الجديدة عايش فترة الحرب وخبر مآسيها، بأحد فتوات خندق الغميق، تلك المنطقة الفقيرة والمنسية على أطراف الوسط التجاري للعاصمة اللبنانية.

لا يمثل هذان الرجلان إلا نفسيهما وقدرتهما على الترويج لثقافة التعايش المعدومة، بعكس قدرتهما على تأجيج الفوارق والاستثمار في أسباب الانقسام على تفاهتها.. لكنهما يشكلان، في أسوأ الأحوال، فكرة يمكن البناء عليها للتجربة، على سبيل الترف ليس أكثر.. تجربة الدخول الى منطقة الآخر المعروف.

قبل سبع سنوات حاول شبان ثلاثة، من الضاحية الجنوبية لبيروت، ويعملون في منطقة مسيحية، دعوة صديقهم المسيحي لزياة الضاحية.. رفض، ثم انصاع بعد عناد دام شهوراً، ليعود بفكرة جوهرية، تلغي تراكمات الأفكار السابقة المعلبة، بأن المنطقة تلك ليست "حارة الضبع"، وعلى مدخلها لا يقف من يسأل عن هوية الزائر. لكنه في الحالة هذه أيضاً لا يمثل، ربما، إلا نفسه.
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها