الثلاثاء 2018/05/08

آخر تحديث: 14:22 (بيروت)

محمود عباس:مفارقات السلطة

الثلاثاء 2018/05/08
محمود عباس:مفارقات السلطة
(Getty)
increase حجم الخط decrease
مفارقتان أساسيتان حكمتا سلوك رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس منذ قرار الرئيس الأميركي دونالد ترامب إعلان القدس عاصمةً لإسرائيل. الأولى، تتعلق بقدرة عباس، الذي جاهر بأنه لم يحمل مسدساً يوماً، على الاستمرار بالقطع مع إرث الشهيد ياسر عرفات الثوري في المراحل الأولى لتأسيس حركة التحرير الفلسطينية، والخلط بين المسالمة و"العسكريتاريا" في مرحلة ما بعد أوسلو.

المفارقة الثانية، تتمثل بأن حركة "حماس" نجحت في تحويل نبض الحراك الشعبي الفلسطيني المعارض لخطوة ترامب، والذي يخدم سياسة عباس القائمة على ما يسميه "المقاومة الشعبية"، من الضفة إلى غزة، وهو ما سحب ورقة أساسية من يد "منظمة التحرير" التي ما توقفت الحركة الاسلامية عن محاولة تهميشها وتهشيمها.

من هذا المنطلق، وجد عباس نفسه أمام مجموعة خيارات يائسة، لإعادة الاعتبار لدوره الأساسي في رسم حدود الدولتين الاسرائيلية والفلسطينية، فاتخذ الهجوم سياسةً للدفاع في وجه الهجمة الأميركية-الاسرائيلية المحصنة عربياً لايجاد حل نهائي للقضية الفلسطينية، يقضم المزيد من حقوق الفلسطينيين، ويرضي الاسرائيليين على قاعدة الاستسلام لخيار أن أي حل لا يرضي إسرائيل لا يمكن السير به، أما الفلسطينيون فهناك دائماً سبل للالتفاف على مطالبهم، ولو بالتهديد واستخدام القوة.

أدرك عباس أن خطوة ترامب تشكل ضربةً قاصمة لشرعيته الفلسطينية، فأراد الالتفاف عليها بعدما أصبحت حتمية، عبر عقد اجتماع المجلس الوطني الفلسطيني المنقطع عن الاجتماع منذ أكثر من عقدين. وهو اجتماع لم تكن القرارات التي اتخذت داخله ذات أهمية، بقدر الخطوات التي سبقته لقطع الطريق على أي مشاركة لـ"حماس" في قرارات منظمة التحرير، وتوجيه ضربة قاضية لكل محاولات وراثته سياسياً التي تحاك خارج الأراضي الفلسطينية.

يمكن استخلاص نتيجة أساسية من الاجتماع المذكور. كرس عباس شرعيته داخل "فتح". وأكد ما كان واضحاً مسبقاً، وهي أن منظمة التحرير وإن لم ترتق إلى مصاف الدولة، لكنها في أدائها والديناميات التي تحكم حركتها، تشبه كل الأنظمة العربية لناحية عدم قدرتها على إنتاج بديل للزعيم أو البحث الجدي في البدائل في حياته. أدرك المخضرمون في المنظمة أن حديث الوراثة الذي هُمس به قبل الاجتماع، لن يتكرر في حياة عباس.

نقطة قوة عباس هي قدرته على اللعب على تناقضات "فتح" وتناقضات المجتمع الدولي. يتمتع ببراغماتية تتيح له حرية الحركة في الداخل الفلسطيني مع سيطرة شبه كاملة على قرار الضفة الغربية. فيما أجاد عبر حصر الحكومة الفلسطينية بالرؤوس الباردة، إظهار نفسه أمام المجتمع الدولي بمظهر رجل الدولة القادر على تغليب سلمية البزة على ثورية الكوفية، رغم أن هذا المجتمع بدأ يفكر جدياً اليوم باستبداله بشخصية آخرى قادرة على إيجاد مكان لها داخل ما يسمى بـ"صفقة القرن".

ما يضاعف صعوبات عباس هو خروج قطاع غزة من يده. هذه الورقة التي تلعبها "حماس" في وجهه منذ سنوات، لم تنفع معها لا براغميته ولا الغطاء الدولي له. يريد عباس انتزاع غزة مجدداً دون تقديم أي تنازلات. لا زال الرجل مع معظم الفتحاويين القدماء مقتنعين بتفوق فتح على حماس. هؤلاء لا يقبلون بالتعادل، لكنهم في سبيل الانتصار على حماس، يتلقون الهزيمة تلو الآخرى.

وفي الأيام الفاصلة، قبل موعد الاحتفال بنقل السفارة الأميركية إلى القدس الذي يهدد بانفجار كبير بالتزامن مع ذكرى النكبة، واحتفال اسرائيل "بمرور 70 عاماً على تأسيسها"، لا يوجد التفات فعلي باتجاه عباس. محاولاته استجداء الدعم الدولي لم تسعفه حتى الساعة. لم يحصل سوى على الرثاء.

الأنظار والكاميرات جميعها ستكون مصوبة باتجاه السياج الفاصل بين قطاع غزة والأراضي التي تسيطر عليها اسرائيل. هناك قد تُحبط بالدم، الذي أثبت أنه السياسة الناجعة الوحيدة في وجه غطرسة إسرائيل، المحاولة النهائية لرسم خريطة فلسطين. وهو ما يعمق مأزق عباس ويكشف مرة أخرى أن الورقة الأفعل والأكثر تأثيراً في مسار القضية الفلسطينية اليوم، هي بيد غريمته "حماس".
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها