الثلاثاء 2016/06/28

آخر تحديث: 16:31 (بيروت)

الإعلام في الهاوية: إنتاج القَتَلة!

الثلاثاء 2016/06/28
الإعلام في الهاوية: إنتاج القَتَلة!
الإعلام في لبنان بلغ أسفل الدرك في الإنحطاط والهوان
increase حجم الخط decrease
في وقوفه الى جانب "القاع" المقتولة والمجروحة، لا يتوانى البلد بأسره عن النزول الى حضيضه، ومعه، يهبط إعلامه، أكان مرئياً أو مكتوباً، الى هاويته. ومن مكانه هذا، يطل على واقعة الاٍرهاب الضارب في البلدة البقاعية، لكنه، وبوضعه هذا، يطلع على خطابه ويسرف فيه. 

هذه المرة، وكما في كل مرة، يهجس في هوية الانتحاريين، مثلما يوجه العيون الى أشكالهم، وهيئاتهم، قبل إستنتاجه بأنهم "سوريون". وهؤلاء، بحسبه، هم رهط واحد ومجاور لساحة الجريمة، التي لا يتوقف عن بسطها وتوسيعها، ثم تحديدها بمخيمات اللاجئين، حتى يكاد يقول لمتلقيه: "أنت محاصر بهم، أنت خائف منهم"، ثم، يدعوه الى اعتقالهم واقتلاعهم.

المغرد على "تويتر" بـ"يلي بده يزعل، ينقلع. يجب طرد النازحين السوريين من لبنان"، لم يصل الى عبارته هذه من تلقائه الضعيف فقط. فقد تصفح الجرائد، ولاحظ أن مقالاتها تركز على أمر بعينه، وهو "لهجة" الانتحاريين، أي ان ارهابهم تكلم بلسان سوري.

لكن ذلك لم يشف غليله، إذ رغب في أنباء أخرى، ولهذا السبب، عاود القراءة، عاثراً على خبر أنهم "لجأوا الى بيت سوري، لكن أمرهم اكتُشف". بحث عن مصدر هذه المعلومات، فوجد أنه "شاهد العيان"، و"المصدر الأمني"، و"الأهالي".

توقف قليلاً، ظن أنه في حاجة الى أسماء، تؤكد هذه "الحقائق"، فقرر التفرج على التلفزيون، والتنقل من محطة الى أخرى. وفي تلك اللحظة، وقع على صور الأشلاء والدماء، وعلى صور مسلحي "الغضب والدفاع عن النفس"، وفي الوقت عينه، سمع جملة "موضوع النازحين السوريين، قنبلة موقوتة"، و"المشتبه بتعاملهم مع الإرهابيين، يعملون لدى منظمات غير حكومية". ثم، أصغى الى احد المحللين السياسيين، وما أكثرهم، يردد ان "كل نازح سوري هو مشروع داعشي، ويجب زرع شريحة الكترونية في جسده لتسهيل تعقبه".

بالتالي، خلص الى أن "السوري هو الإرهابي"، الا انه شعر ان مقولته هذه، التي وفرها له كل من التلفزيون والصحافة، لا تزال ركيكة، فرجع إليهما ليعاين "هوية الانتحاري" بدقة.

عندها، قرأ وسمع وشاهد مٓن يخبره ان بين الانتحاريين "كان هناك واحد بلا لحية"، و"كان هناك طفل"، و"امرأة"، فانصدم، وجزم في أن كل اللاجئين، صغارا وكباراً، ملتحين وغير ملتحين، نساءً ورجالاً، من الإرهابيين، وكل مخيم من مخيماتهم هو "بيئة حاضنة للقتلة".

"ماذا أفعل؟"، استفهم. "نطردهم، نبيدهم".. فجأةً، يتذكر ان إجابته هذه عنصرية وتحرض على القتل، غير انه لم يتراجع عنها، خصوصاً انه شاهد احد المسؤولين يصرح قائلاً "فلنمنع تجولهم وبلا إنسانية". وعليه، حسب انه لن يتبن منطق "الجمعيات" و"ثرثرتها".

الآن، يبغي مَن يشجعه على موقفه ضد السوريين، فيفتش عن شخصيات مناسبة لذلك، ومن دون أي جهد، يقرأ تغريدة احد الاعلاميين الذي يشجع على "منع اي تجمعات او مخيمات للنازحين في البلدات"، ويقرأ بوست إحدى الإعلاميات التي كتبت: "العالم عم بتموت وبعد في مين يقلك عنصرية".

يبتهج لما كتبه الاعلاميون، للكراهية التي صدرت عنهم، فهي ملائمة لما يشعر به من ذعر سابق ولاحق على اي تفجير، ولما يقرره دائماً على اثره: "لا بد من مجزرة، لا بد من مجزرة بحق السوريين". لقد وصل الإعلام الى غايته: تحويل مستهلكه إلى هالع، وبالتالي، إلى قاتل!

لا مبالغ في القول أن الإعلام في لبنان بلغ أسفل الدرك في الإنحطاط والهوان، لدرجة أنه حين يهجس في "هوية" الإنتحاريين، يصنع غيرهم، وهؤلاء ليسوا سوى مستهلكيه، الذين ينطق بخشيتهم ليبقيهم فيها، ويجعلهم خاضعين لها. ذلك، بعد أن يحدد مصدرها، أي كل سوري، وكل نازح، وكل "جسم غريب" لا يشبههم.

فهذا الإعلام، ولأنه جبان وبليد، عاجز عن نفسه، ولذلك، لا يقدر إلا على النازحيين، ولا يستطيع الا التحريض عليهم، والتمهيد لأي عمل عنف، منظم وغيره، قد يمارسه مستهلكوه بحقهم، وبرعاية رسمية أو "أهلية". إنه دعاية فاشلة عن سلعة، هي الخوف، يحث على استهلاكها، ومن يأخذ بها، سرعان ما ينطلق منها لكي يقدم على "مكافحة مصدرها" من خلال التماهي مع الإنتحاريين. وبذلك، يغير موضوع إرهابهم منه إلى كل السوريين، قائلاً: "أنا إرهابي، وأريد أن أقتل، صوّري يا كاميرات، سجّلي يا جرائد".
وأي عمل عنفي ضد السوريين، الإعلام المحلي مشاركٌ فيه، ويتحمل مسؤوليته.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها