الأربعاء 2015/09/09

آخر تحديث: 18:23 (بيروت)

اللاجئ إن تعثّر بقَدَم عنصرية

الأربعاء 2015/09/09
اللاجئ إن تعثّر بقَدَم عنصرية
لا فرق بين بيترا وميشيلين عازار مراسلة المجازر في قناة "دنيا" الموالية
increase حجم الخط decrease
أسامة المحسن الغضب، ابن مدينة دير الزور السورية، وطفله الصغير أغيد، يقعان أرضاً في هنغاريا قرب الحدود مع صربيا. يتبادلان الأدوار. الطفل على الأرض، والأب فوقه متعثراً بقدمٍ تعمدت إيذاءه، لا إيقافه، إذلاله، لا اعتقاله.



المشهد كاد يكون اعتيادياً وشبيهاً بمشهد العائلة السورية المتشبثة بسكة القطار أو تلك الأم التي تواجه قوات الشرطة الهنغارية، لكن القَدَم ليست قَدَم السلطة، بل قَدَم من يراقبها ويوثق انتهاكاتها. صاحبة القدم، بيترا لاسزلو، المصوّرة في موقع "إن1" التلفزيوني، اختصرت، أمس قرب مدينة روسزكي الهنغارية، انحطاط العالم بأسره. شتيمة أسامة، الصرخة العفوية والهادرة في وجهها بعدما وقع وطفله أرضاً، اختزلت تعاستنا نحن البشر جميعاً في هذا القرن.

في المقطع المصور الذي نشره ستيفان ريختر، مراسل تلفزيون "أر تي إل" الألماني في حسابه في "تويتر"، تظهر لاسزلو في 15 ثانية وهي تعرقل أسامة الهارب من الشرطة، متعمّدةً إيقاعه وطفله. تحمل كاميرتها في يدها وتصوره بعد سقوطه. وفي مقطع آخر تظهر المصورة وهي تركل طفلةً لاجئة وآخرين يحاولون الفرار من قبضة الشرطة.

تتحرك لاسزلو ليس كرجال الشرطة الهنغارية. لا تريد أن تقبض على اللاجئين، هي في مهمة إعلامية لتوثيق الحدث ومهمة أخرى شخصية ثأرية وعنصرية. تتخبط يميناً وشمالاً بين الحشود.. تحاول أن ترفسهم وتوقعهم أرضاً، فهي تعمل في محطة تلفزيونية يمولها حزب "جوبك" اليميني المتطرف. الحزب الذي يحتل المرتبة الثالثة في هنغاريا بنسبة 20 في المئة.

مدير المحطة أعلن في الموقع الرسمي وحسابه في "فايسبوك" أن زميلته تصرفت بطريقة "غير مقبولة" وأنه تم تسريحها من عملها. لكن ذلك لم يخفف من حدّة الانتقادات التي وُجهت للمحطة والحكومة الهنغارية حول العالم. بعض الأحزاب المعارضة في هنغاريا وعلى رأسها التجمع الديموقراطي كانت قد أعلنت أمس أنها تعتزم رفع دعوى قضائية ضد لاسزلو قد تكلفها خمس سنوات من حياتها في السجن. هكذا انتشر هاشتاغ #petra_Laszlo_wall_of_shame الذي يدين المصورة.

سلوك الإعلامية المصورة، يتجاوز سؤال المهنية الإعلامية. يُذكرنا بسلوك إعلاميي النظام السوري الذين يتقنون دور المحقق والمقاتل والشبيح. لا فرق بين بيترا، وميشيلين عازار، مراسلة المجازر في قناة "دنيا" الموالية. كلاهما تفيض الإيديولوجية لديهما عن المهنة ويتحولان إلى وحوش بشرية أمام الكاميرا، توثقان جرائم يديهما وقَدَميهما، لا تلك التي تقترفها السلطة.

قَدَم المصوّرة ليست قدمها وحدها، بل قدم اليمين المتطرف الأوروبي تركل اللاجئين بفوقية وعنصرية، خصوصاً في هنغاريا، الدولة الهزيلة والمنحرفة من أقصى اليسار المخابراتي السوفياتي إلى أقصى اليمين المسيحي النيوفاشي.

في الحقيقة، لم تستطع الحكومة الهنغارية، بقيادة فيكتور أوربان، رئيس حزب فيدسز اليميني الحاكم، أن تبرر للعالم والغرب لماذا تمنع اللاجئين من العبور في أراضيها وإن لم تكن وجهةً للجوء لأكثر من 90 في المئة منهم. تصريحات الحكومة لم تتعدَ بضع كلمات عن هوية أوروبا المسيحية وتهديد الوافدين الجدد، وما زالت عازمة على استكمال بناء السور الشائك بين صربيا وهنغاريا لمنع اللاجئين من العبور نهائياً.

أسامة وأغيد ومعهما أكثر من 1500 لاجئ سوري وفلسطيني وعراقي قادمين من صربيا ومقدونيا، لا تفتنهم هنغاريا كمكان للجوء. وجهتهم أوروبا الغربية، النمسا وألمانيا والدول الاسكندنافية حيث لا تعتبر الحكومات أن الهوية المسيحية لأوروبا تنفصل عن مساعدة الهاربين من الاستبداد والقتل، وحيث ينتظرهم مئات الألمان والنمساويين في محطات القطار بعبارات الترحيب والأغذية.

عوضاً عن عدم التدخل وترك اللاجئين يعبرون نحو وجهتهم، تقوم الشرطة الهنغارية منذ شهر بالاعتداء عليهم ومنعهم من العبور. أسامة ورفاقه أقاموا في العراء خلف سكة القطار رافضين العودة إلى الوراء وآملين أن يُسمح لهم بركوب القطار نحو الغرب. بالنسبة لبيترا لاسزلو، هؤلاء الهاربون من الموت لا يستحقون حتى عبور أرضها. عندما مدّت قدمها راكلةً اللاجئين، هي تريد أن تركلهم خارجاً وأن توثق لحظتها العنصرية، متواطئة مع الشرطة من خلفها وموقنةً أن أسامة الهارب لن يرد ركلتها بركلةٍ أخرى.

بالنسبة إلى أسامة، المدرب واللاعب السابق في نادي الفتوة لكرة القدم، ركلة كهذه كان يمكن أن تكون أقل من عادية أيضاً. كان يمكن أن يتفاداها برشاقة ويكمل باتجاه المرمى في الملعب. لكنها ركلة الغدر تأتي في لحظة الهرب والخوف. فأسامة، كما يفيدنا ابن مدينته الصحافي إبراهيم البصري، له ثلاثة أولاد، ترك خلفه زوجته وابنه المصاب برصاصة في قدمه في مرسين، بعدما جاب وعائلته سوريا في نزوح داخلي متعدد.

كان يمكن لأسامة أن يتقبل الركلة من عنصر الشرطة. فهو اختبر السلطة الأسدية وإجرامها جيداً. كان يمكن له أيضاً أن يناور حاملاً طفله وعابراً سكة القطار نحو الحرية. لكنه وقع أرضاً فوق طفله. مناورته الأخيرة كانت شتيمة صارخة. هي شتيمة المظلومين في وجه هنغاريا، أسلاكها الشائكة، شرطتها، حكومتها، قطاراتها وإعلامييها العنصريين.

بيترا وركلتها العنصرية، ليستا كل ما وثقته الكاميرا، بل تلك الشتيمة التي ستبقى في ذاكرة كاميرتها وذاكرتنا إلى الأبد.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها