الأربعاء 2015/09/30

آخر تحديث: 18:36 (بيروت)

"ناس نيويورك" توثّق ناس القوارب المطاطية

الأربعاء 2015/09/30
increase حجم الخط decrease
منذ انطلاق مشروعه "هيومانز أوف نيويورك" (ناس نيويورك) في العام 2010 قام براندون ستانتون النيويوركي بتغيير مفهوم القصة القصيرة عالمياً ليصبح الرواة هم أبطال القصة الحقيقيين، ممن توثقهم كاميرا ستانتون أينما ما صدفتهم في شوارع وأزقة المدينة. وبما يقارب 15 مليون متابع في صفحاته في "فايسبوك" و"تويتر" و"تامبلر"، إلى جانب نجاح كتابه المصور، انتقل ستانتون في عام 2012 من نيويورك ليجوب العالم ويتحول لظاهرة الكترونية كونية.

في مشروعه الأخير، الذي أطلقه مؤخراً بالتعاون مع مفوضية اللاجئين التابعة للأمم المتحدة، يحمل ستانتون كاميرته متوجهاً إلى أوروبا في رحلة لمدة عشر أيام تهدف لتوثيق شهادات اللاجئين العابرين من الشرق الأوسط إلى القارة الأوروبية عبر تركيا، وهي الحركة التي يوصّفها ستانتون في مقدمة تعريفه للمشروع بأنها "أكبر الانتقالات البشرية الجماعية في التاريخ الحديث" معقبّاً أنه على الرغم من ذلك فإن "المرويات عبارة عن تراجيديات فردية وفريدة… حيث هناك الملايين من الأسباب التي تدفع لمغادرة الوطن، وملايين المحن التي يمر بها اللاجئون أثناء رحلتهم في العثور على وطن جديد".

ويعلن ستانتون عن أنه سيقوم بجولة في أوروبا على خطوط اللجوء، على الرغم من أنه لم يحدد مسار رحلته بعد بسبب المتغيرات التي تطرأ على أزمة اللاجئين، لكنه يستهل أولى بورترياهاته المصورة من اليونان، مستكملاً سيرة الشاب السوري الكردي محمد، الذي التقاه أثناء رحلته إلى العراق الصيف الماضي. قصة محمد التي نُشرت في صفحة "ناس نيويورك" خلال ستة أجزاء في الأيام الأخيرة، انتهت لتصبح أحد أكثر المنشورات تعليقاً ومشاركةً في مواقع التواصل الاجتماعي خلال الأسبوع الجاري.

وكان ستانتون قد التقى محمد في العراق بعد خروجه من سوريا ليعمل معه كمترجم أثناء جولته. في البورتريه الذي نشرته "ناس نيويورك" عن محمد في العراق، يروي الشاب الثلاثيني قصة خروجه من سوريا بخمسين دولار في جيبه، منسحباً من دراساته العليا في جامعة دمشق ومتوجهاً إلى إربيل ليعمل موظف استقبال في فندق براتب زهيد. في ذلك الوقت كان يعمل أيضاً كمدرس للغة الإنكليزية بمجموع 18 ساعة عمل يومياً في سبيل تأمين المبلغ الواجب دفعه لرحلة غير شرعية إلى الغرب.

وبعدما قرر محمد العودة لسوريا لمرة واحدة قبل رحلته الأخيرة، لم يستطع البقاء في منزل أهله بسبب ملاحقة شرطة "الدولة الإسلامية" له، حيث اضطر أن يغادر سريعاً إلى تركيا. لكن خبر تعرض والده للضرب المبرح على يد مقاتلي التنظيم وحاجته الضرورية لإجراء عملية مكلفة أجبره على تأجيل سفره وإرسال المال الذي وفره إلى أهله. لم يمض أكثر من أسبوعين حتى تلقى محمد خبراً مدوياً، إذ قام الداعشيون بقطع رأس أخيه وإرساله إلى المنزل مع رسالة كتب عليها "الأكراد ليسوا مسلمين". أخت محمد الصغيرة التي استقبلت رأس أخيها، بحسب محمد، لم تنطق بكلمة منذ ذلك الوقت.

وبعد حصار تنظيم الدولة لقريته اضطر محمد إلى دفع ما تبقى من مدخراته لتهريب أخته إلى العراق، مبقياً على ألف يورو في جيبه. استطاع محمد إيجاد مهرب وضعه ورفاقه اللاجئين في قارب مطاطي صغير وقفز عائداً إلى الشط. في شهادته لستناتون، مرافقاً إياه كمترجم في رحلته مجدداً، يجلس محمد على شاطئ جزيرة كوس اليونانية متأملاً البحر الذي جاء منه، ومتذكراً تفاصيل رحلته المريرة والقارب الذي كاد أن يغرق. يردد "قبّلت الأرض حينما وصلت، أكره البحر الآن، أكرهه جداً، أكره السباحة فيه، وأكره النظر إليه، أكره كل ما يتعلق به".

بعد شهر آخر من المعاناة بين الحدود والسجون اليونانية حيث لا ماء ولا طعام وسير على الأقدام لأسابيع، استطاع محمد بلوغ النمسا حيث تكمن المفاجأة في سيرة لجوئه. تلك النهاية السعيدة التي لا يستطيع قارئ السلسلة إلا أن يتمناها. استطاع محمد، على خلاف معظم اللاجئين، أن يتقن اللغة الألمانية خلال سبع شهور، وعند مقابلته مع القاضي المعين للنظر في قضيته، طلب منه محمد أن يجري المقابلة باللغة الألمانية، مستغنياً عن المترجم. "أشار إلى بطاقة هويتي السورية وقال: محمد لن تحتاج إلى هذه من جديد. أنت الآن مواطن نمساوي".

قبل أن يباشر براندون في سيرة لاجئ جديدة، ينشر توضيحاً للقراء حول أهمية القارب المطاطي (البلم) في حياة اللاجئين السوريين موضحاً كيفية سير عملية العبور من تركيا إلى اليونان ومخاطرها. وبخلاف معظم التعليقات في مواقع التواصل الاجتماعي التي أشادت بمشروع "هوني"، فإن بعض الصفحات والمجموعات السورية في "فايسبوك" شككت في مصداقية سيرة محمد انطلاقاً من أن جواز السفر الذي يحمله في الصورة هو وثيقة سفر للاجئين وليس جنسية نمساوي، وأن القاضي لا يمتلك صلاحيات إعطاء الجنسية في النمسا، بينما فسّر آخرون كلمة القاضي بأنها مجازية وليست حرفية.

شهادة ثانية نشرتها صفحة "ناس نيويورك"، خلال الأسبوع الجاري، عن امرأة فقدت زوجها في عرض البحر بعدما غرق القارب، وثالثة عن طفلة فقدت أمها بين الحشود على القارب. جمهور الصفحة بتعليقاتهم المتعاطفة والحزينة يتوقعون الكثير من القصص المحزنة في الأيام المقبلة. تقول إحدى متابعات الصفحة في تعليق:" في الأيام العشرة المقبلة سألتزم مكتبي وأبكي بصمت".

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها