الإثنين 2015/02/02

آخر تحديث: 17:38 (بيروت)

مسابقة لاسامية في إيران: الهولوكوست مقابل "شارلي إيبدو"

الإثنين 2015/02/02
مسابقة لاسامية في إيران: الهولوكوست مقابل "شارلي إيبدو"
increase حجم الخط decrease

رداً على الرسوم، التي سخرت فيها مجلة "شارلي إيبدو" من شخصية النبي محمد، قررت "مؤسسة الكاريكاتور الإيرانية"، وبالتعاون مع "مركز سرجشمه الثقافي"، إطلاق مسابقة دولية للرسوم الكاريكاتورية المتعلقة بموضوع إنكار الهولوكوست أو نفي وقوعها.

ونشرت صحيفة "طهران تايمز" الإعلان، محددةً الجوائز التي ستوزع على الفائزين الثلاثة الأوائل. إذ يقدم منظمو المسابقة 12 ألف دولار للفائز في المرتبة الأولى، وثمانية آلاف دولار للمرتبة الثانية، وخمسة آلاف دولار للمرتبة الثالثة. وذلك، بحسب التزام الرسامين بمعيار واحد، أي السخرية من المحرقة اليهودية، وعدم الإعتراف بها سوى كحيلةٍ، روجت لها الحركة الصهيونية كي يدعمها العالم في إقامة دولة إسرائيل والحفاظ عليها.

وبإعلانها عن مسابقة إنكار الهولوكست، تطلق إيران معادلتها الكاريكاتورية، ومفادها أن السخرية من النبي محمد، ستواجه بالتهكم على المذبحة اليهودية. وهي كانت قد استخدمت هذه المسابقة في العام 2006، للرد على نشر صحيفة "يولاندس بوستن" الدنماركية لرسوم تتناول النبي محمد أيضاً. حينها، عمدت إلى إطلاق مسابقة شبيهة بتلك التي أعلنتها منذ أيام، بهدف تحدي "الغرب"، وامتحان قدرته على تحمل الكاريكاتور المسيء لمذبحة فظيعة، كانت قد ارتكبت على أرضه.

على هذا المنوال، تضع إيران إنكار الحدث اليهودي في مواجهة السخرية من النبي محمد، مستندةً، وبطريقة كاريكاتورية، على "حرية الرأي والتعبير"، الذي ترتكز عليه الصحف الأوروبية، وفي مقدمها "شارلي إيبدو"، كي تتطرق إلى الإسلام وشخصيته الأساس.

إلى ذلك، فإن إيران تسند مسابقتها بمقولة أخرى، كانت قد شاعت بعد جريمة "شارلي إيبدو"، واختصارها أن المجلة تتهكم على الدين الإسلامي ورموزه، لكنها لا تتجرأ على السخرية من الدين اليهودي أو المسيحي، وشخصياته الأسطورية. لذا، يبدو أن إيران أخذت على عاتقها تحقيق الناقص في أداء المجلة الكاريكاتورية، وطبعاً، من دون أن تحتفظ بالموجود فيه، أي السخرية من كل الأديان، انطلاقاً من سياستها العلمانية والملحدة.

فالمسابقة، وكما هو بائن، عبارة عن ردّ فعل، لا يصيب هدفه البتة. أولاً، لأنها تساوي بين رسم جريمة ورسم شخصية دينية. وثانياً، لأن ممارسيها ليسوا من المدافعين عن الحرية، أو حماتها. على العكس، فإنكار الهولوكست للرد على السخرية من النبي محمد، ليس سوى تمسك بالنفي، ومواصلة سياسته كاريكاتورياً، والتي لطالما كانت موجودة بعد المحرقة وقبل جريمة "شارلي إيبدو". وهذا التمسك ليس غريباً عن النظام الإيراني، المعروف بتشكيكه في وقوع الهولوكست.

وتطلق المسابقة الكاريكاتورية، في حد ذاتها، سباقاً بين اللاسامية الحاضرة من جهة، والإسلاموفوبيا الممكنة من جهة أخرى، بحيث يصبح التنافس على رسم الكراهية والحقد حاداً للغاية. مع فارق أن اللاسامية، التي يدعو النظام الإيراني إليها، تنفي جريمة تاريخية محورية، عمدت النازية إلى ارتكابها خلال القرن الماضي. في حين أن الإسلاموفوبيا، التي تُتهم "شارلي إيبدو" بالترويج لها، تسخر من شخصية دينية بعينها، ولا تدعو إلى نفي أفعالها، أو إنكار واقعة من وقائع الدين الإسلامي، أو جريمة مرتكبة في حق المنتمين إليه.

على كل حال، تتقدم مسابقة "مؤسسة الكاريكاتور الإيرانية" على "شارلي إيبدو" من ناحية تكريس العداء لطائفة بأكملها، والإستمرار في ممارسة المجزرة بحقها، حتى لو استبدلت أفران الغاز برسوم ساخرة، والتدين اليهودي بالإنتماء الصهيوني. ثم أن ممارِس السخرية في حالة "شارلي إيبدو"، يعتبر نفسه علمانياً، وفعله الكاريكاتوري ينم عن هذا الاعتبار، في حين أن ممارسَها في حالة المسابقة، يرعاه نظام ديني، لا علاقة له بالحريات على أنواعها. فالرسوم، التي تشجع سلطة إستبدادية على نشرها، هي ردود أفعال ديكتاتورية، وليست كاريكاتورية، خصوصاً أن السخرية، في هذا الوضع، تضحى سلاحاً في حربٍ، نهايتها بعيدة.

سيرسل المتنافسون رسومهم قبل بداية شهر نيسان/ابريل المقبل. وبذلك، سيتنافسون على مواجهة الإسلاموفوبيا بالعداء لليهود. سيربح بعضهم، وسيخسر البعض الآخر، وستضيق الهويات بأصحابها أكثر فأكثر. النظام في إيران سيواصل إنكاره، والإسلاموفوبيون سيتضاعف عددهم. وذلك كله، بحجة "حرية الرأي والتعبير"، التي تبدو الخسارة تحت عنوانها فادحة، لا سيما عندما تكفلها الأنظمة الفاشية ومؤسساتها.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها