الجمعة 2015/12/18

آخر تحديث: 17:02 (بيروت)

"ليالي الحلمية" الجديدة: أقسى همومنا يفجرك سخرية!

الجمعة 2015/12/18
"ليالي الحلمية" الجديدة: أقسى همومنا يفجرك سخرية!
increase حجم الخط decrease
بعد عرض مسلسل "الريان"، العام 2011، استضافت "مؤسسة الأهرام" الفنان الراحل خالد صالح، ومخرجة العمل شيرين عادل، وبعضاً من طاقم المسلسل، وحدث أن سألتُ صالح: "ماذا لو كان الريان شخصاً ذا شعبية جماهيرية كبيرة، هل كنتم ستقدمون المعالجة الدرامية نفسها لحياته؟"، فأجاب مقتضباً: "لا أعتقد". ثم عقّب زميل من الصحافيين بسؤال للفنان يتعجب من إطلاقه لحيته بدلاً من الاستعانة بذقن مستعارة كما فعل باقي الممثلين. 

ربما كان سؤال زميلي هو السؤال العاشر الذي يوجه للفنان الراحل منفرداً، وقبل أن يجيب، تدخلت المخرجة بإرسال ملاحظة إلى مدير اللقاء، مفادها أن "كفاية أسئلة لخالد لحد كده، ويجب على الصحافيين توجيه بعض الأسئلة لباقي الممثلين الحاضرين معنا"!

 تتشابه معطيات تلك الواقعة البسيطة، مع ظروف إنتاج الجزء السادس من المسلسل الشهير "ليالي الحلمية"، والذي سيكتب السيناريو الخاص به المؤلف الغنائي أيمن بهجت قمر. بالتأكيد لو كان "قمر" قد أقدم على كتابة سيناريو جزء جديد لعمل فني أقل جماهيرية، لما أثيرت كل تلك الضجة حوله،  فيما لن تؤثر تلك الانتقادات كلها على مشاهد يبحث عن التسلية مجردةً، من دون الاهتمام بإتقان أي من عناصر العمل لدوره، بل قد ينتقد ذلك الإتقان أحياناً، أو ربما يعرض المسلسل فيختصره الجمهور في فنان وحيد أجاد دوره.

وربما يلاقي مصير التجاهل الذي واجهته المخرجة شيرين عادل، والتي سبق أن أخرجت مسلسل "العار" (كتب معالجته الدرامية قمر أيضاً) وهو إعادة إنتاج للفيلم المصري الشهير الذي قدمه نور الشريف ومحمود عبد العزيز وحسين فهمي العام 1982.

تعد "ليالي الحلمية"، من أبرز الأعمال الدرامية التي قدمها التلفزيون المصري حتى الآن، كتبها أسامة أنور عكاشة وأخرجها إسماعيل عبد الحافظ. ويصور المسلسل، في أجزائه الخمسة السابقة، التاريخ المصري الحديث، منذ عصر الملك فاروق وحتى مطلع التسعينات. ولا يستمد المسلسل قوته من أحداثه فحسب، بل أيضاً من نخبة كبيرة من الفنانين المصريين، زاد عددهم على 300 ممثل، ومعظمهم ما زال حياً.

ويبدو مجهود أيمن بهجت قمر بليداً إذا ما قورن بعميد الدراما المصرية أسامة أنور عكاشة. لكن ذلك في المقابل، لا يعني عزوف الممثلين الذين قدموا الأجزاء السابقة، عن المشاركة في المسلسل الجديد. فليست تلك المحاولة الأولى لإعادة إنتاج الأعمال الفنية المهمة، لكن الأزمة الحقيقية تكمن في ما يتصوره هؤلاء: قمر والممثلون المحتملون والمخرج مجدي أبوعميرة، الذي تصدى لإخراج الجزء الجديد، إذ يتخيلون أنهم هكذا ينجزون عملاً فنياً مهماً وجاداً، أو بتعبير الممثلة إلهام شاهين، حين أجابت لدى سؤالها عن مشاركتها في الجزء الجديد: "سأشارك شرط أن يكون العمل له هدف ورؤية".

هذا الخيال الخادع هو ما فتح الباب عشوائياً أمام إعادة إنتاج الأعمال الفنية السابقة، والتي بدأت بالباطنية (2008)، ثم سمارة (2009)، والعار (2011)، والأخوة الأعداء (2012)، والزوجة الثانية (2013)، وأخيراً "الكيف" و"ليالي الحلمية" المزمع إنتاجهما، في حين أن تلك الأعمال المستجدة كلها لا يجدر التعامل معها إلا باعتبارها أعمالاً هزلية.

هذه الرغبة المحمومة في ادعاء الجدية من إنتاج أي عمل فني، هي بمثابة الخطوة الأولى في طريق فشله، ولا تكمن الأزمة في مقارنات الإجادة من عدمها بين كاتب ضئيل وآخر كبير، أو مخرج متوسط وآخر قدير، أوممثل متواضع وآخر عظيم. فعندما قام فؤاد المهندس بإعادة تقديم فيلم "إشاعة حب" من خلال مسرحية "حالة حب" العام 1967، مع الوضع في الاعتبار أن العملين هزليين، كانت القدرات كلها تتكافأ، فعمل يضم المهندس وشويكار وعبد المنعم مدبولي، في مقابل عمل يضم عمر الشريف ويوسف وهبي وسعاد حسني، هو عمل جدير بالتدبر، ونكون آنذاك إزاء رؤية فنية خاصة يقف وراءها هدف فني بالأساس قبل أي شيء آخر.

في النهاية ستطرح "ليالي الحلمية" الجديدة نفسها، ضمن معطياتها الخاصة، غير مكترثة بالانتقادات، وربما يتجاوزها المشاهد ضمن حفنة أعمال درامية أخرى. لكن الأعمال العظيمة تغضب لنفسها. فكما عوقب مصطفى شعبان بشبح تقليد "كمال" (نور الشريف في فيلم "العار")، والذي سيطر عليه في أعماله التالية كلها، ربما يصاب أصحاب "الليالي" بلعنات مختلفة. وإذا كان شعبان ارتضى التعايش مع شبحه من خلال الخط الذي انتهجه لنفسه، وإن ليس بنجاح كبير، فماذا سيفعل الممثل الملبوس بشبح "العمدة سليمان غانم"؟

لعله سيكون أكثر بؤساً، ويردد لسان حاله تتر بداية المسلسل "ليه يا زمان/ ما سبتناش أبرياء؟/ واخدنا ليه في طريق/ ما منوش رجوع؟/ أقسى همومنا يفجرك سخرية.."!

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها