الجمعة 2013/09/20

آخر تحديث: 08:36 (بيروت)

نقتل الخوف وأشياء أخرى

الجمعة 2013/09/20
نقتل الخوف وأشياء أخرى
عمل الفنان فادي زيادة
increase حجم الخط decrease
 حتى وقت غير بعيد، كنت أتخيل رأسي يتدحرج أمامي أو فأساً تنغرس في جسدي عقاباً على ذنب أقترفته. ذنت يتلخص في سرقتي، كطفلة، لقطات من أفلام رعب ممنوعة!
في ليالٍ متأخرة، كنت أتلصص على أفلام رعب أجنبية، تغريني، بينها تحديداً فيلم فرنسي يتحدث عن طرق الإعدام بالمقصلة.
سرقات الماضي، ترعبني حتى اليوم، ولفظ الإسم وحده يسبب لي رهاباً.
 
الليلة تحديداً، تفجرت كل مخاوفي في كابوس طويل ينفصل فيه رأسي عن جسدي. نهضت وأنا أتلمس خط رقبتي، وقلادتي، لأتأكد من وجودهما. أكتب وأنا أستعيد صور الحرب التي لا تنتهي. حرب اعتاد فيها الناس على الموت، وعلى الذكريات المحترقة. حرب حولتهم إلى حوش بأجساد بشرية.
 
أستعيد صور الإعدام الميداني التي تفجرت فجأة على صفحات الإعلام الغربي. أستعيد تحديداً صورة الرجل ذي الرأس الأصلع المنفصل عن جسد هامد مكبل اليدين! ما أنبت الشوك من تحت مسامي ليس المشهد المرعب فحسب، بل الأطفال في خلفيته، متراصين بعضهم إلى جانب بعض على حافة الرصيف، يبددون خوفهم بتلمس ما استطاعوا من جسدهم. يتأملون المشهد حقيقة واقعة أمامهم. عيونهم كانت أحجاراً صغيرة منغرسة في وجوههم، لا تحوي أي لمعة بريئة.
 
ليست الجريمة الأولى التي يشهدها أطفال سوريا. الجرائم التي تقع كل يوم تأكلهم قبل أن تأكل غيرهم. كيف لأطفال عاشوا كل هذا، أن يكبروا ويكملوا حياتهم؟
كيف سيتخطى هؤلاء الذكريات المهدمة، وبقايا الحكايات وما عاشوه من قلب المعارك؟
من منا سيعيش بعد كل هذا الموت، حيث الحياة بأبشع أشكالها؟ 
من منا سيقتل ذلك الخوف في قلبه؟ في الحرب، وبعد الحرب.. وبعد بعد الحرب؟ وماذا سنقتل مع الخوف؟ وماذا سيبقى منا، إن بقينا؟
أستعيد المقصلة، وفي الوقت عينه أربط أفكاري بتلك الرمانة المعلقة.. أملي الوحيد أن تنضج على مهل، على مهل.
 
increase حجم الخط decrease