الإثنين 2013/11/18

آخر تحديث: 06:02 (بيروت)

دمشق التي انفجرت بي

الإثنين 2013/11/18
دمشق التي انفجرت بي
عمل الفنان ماهر أبو الحسن (صفحة فنون الثورة السورية)
increase حجم الخط decrease
بعد أسبوعين من الغياب، عدت إلى دمشق، مدينتي، التي احتفت بقدومي عبر انفجار في قاسيون. على وقع صوت الإنفجار، رحت أسأل نفسي إن كان ابتعادي خيانةً لها أم لا. لكن، هل اشتقت لدمشق أم لا؟ دخلت إلى دمشق من عشوائياتها، ثم جرمانا، ثم "كراجات الست". علبة السجائر رخيصة، و100 ليرة، كفيلة بتخطي الحواجز بدون تفتيش الأمتعة، واختصاراً للوقت.

ارتميت وحقائبي على طرف أوتوستراد المزة، منتظرةً سيارة تاكسي صفراء. مر وقت طويل، وأشعة الشمس تزداد عامودية، تضرب رأسي. كادت جمجتمي تنفجر، خصوصاً أن الباص قد تأخر. هل أخطأت الموعد؟
أمامي، مجموعة من النساء. اقتربتُ من إحداهن، وسألتها إن كان الباص سيمرّ. أجابت بنعم، وتابعت كلامها معي. عرفت أنها فلسطينية سورية، أخذت المعونة من اليونيسيف للتو. شكرَتهم كثيراً. "لكن هذا حقك؟"، كنت أريد القول لها، "وهذا واجبهم". لا بل أنهم لا يساعدوننا بما فيه الكفاية. لكنني، لم أنبس ببنت شفة. كان التعب شديداً، ورحلتي طويلة، لذلك، اخترت الصمت، والإيماء برأسي.

وصل الباص. صعدت، متجهة نحو مقعدي المنفرد. في وجهي رزمة من المفاتيح، وقد علقت على خصر أحدهم. لماذا كل هذه المفاتيح، "تخشخش" مع كل حركة للباص، خصوصاً عند وقوفه المفاجئ حين يندفع جميع الركاب الواقفين في حركة كرتونية إلى الأمام.
توقف الباص في "شارع الثورة"، هناك حيث الإزدحام لا ينتهي، بسبب البسطات والسيارات، ومعها الزمامير وزحمة الناس، بالإضافة إلى الأغاني الشعبية، التي تخرج من علب الأكشاك، حتى يظن المرء أنه في ملهى، وليس في شارع. أغان تمجد القائد والجيش.

أمام هذا المنظر، ماذا أفعل غير الشتم؟ طبعاً، اكتفيت بالسباب في سري، ولم أجاهر به. أنا أخاف على مدينتي من الممجدين، أخاف عليها من الأغاني.

دمشق، ليس لي مدينة أخرى، كي أكتب عنها. هي تعلمنا كيف نمسك روحنا، ونسير نحوها، رغم كل هذا الدم، الذي يسيل تحت أقدامك. "هنا، سقطت قذيفة هاون، أردت سبعة". تكمل طريقك. "هنا، سقطت واحدة أخرى، أردَت تسعة". تكمل طريقك. "هنا، ثالثة، قتلت عشرة". وأنت لا تتوقف، لأن القذيفة تؤجل موعد جريمتها، أما مدينتك، فلشوقها موعد ثابت.

هذا إسمه فيلم رعب، قصير أو طويل، لا يهم، لكن الخارجين من أقبية التعذيب لا يجهلون هوية القاتل.

"بوم"، دمشق انفجرت بي عند عودتي إلى حياتها. الدبابات في الشارع. العسكر في الطرقات. السلاح أساسي. البلدات مدمرة. الحياة منهكة. الكثير من الويلات. الكثير من الكوارث. قذائف، وجوع، وموت. أما العالم؟ فلا يزال صامتاً. لا أحد يسمع صوتك يا دمشق! صرخاتك لا تصل إلى أحد، وأنا وصلت إلى منزلي بلا أن يفتشني الحاجز. لم يفتحوا حقيبتي، لأن، لا حاجة لهم لذلك. فهم بقروا بطن مدينتي، انتهكوا حياتها..حياة دمشق، التي اشتقت لها أكثر، عندما رجعت إليها.



increase حجم الخط decrease