السبت 2014/05/10

آخر تحديث: 03:32 (بيروت)

الثورة فردية أيضاً: سوريات يخلعن الحجاب

السبت 2014/05/10
الثورة فردية أيضاً: سوريات يخلعن الحجاب
increase حجم الخط decrease
"حطي على راسك يا بنتي الله يرضى عليكِ"، كلمات يرددها والد ملك، حتى اليوم، كلما زارت عائلتها.
نشأت ملك (26 عاماً) في بيئة شامية محافظة، والدها إمام جامع، ارتدت الحجاب في سنّ التاسعة. كان شيئاً ممتعاً لها، بالإضافة إلى تلبية رغبة والدها، وطمعاً، بحسب قولها، في زيادة المصروف المرافق لموضوع تغطية شعرها. لكنها بدأت تسعى إلى خلع الحجاب لدى بلوغها الثامنة عشرة، واتجاه فكرها إلى "الإلحاد". ولم تستطع تنفيذ قرارها إلا بعد تركها منزل العائلة وزواجها من زميلها في الجامعة.
 
تقول ملك: "قصتي كالكثير من القصص، يدخل فيها أصدقاء، وقراءات وتساؤلات كثيرة، عذاب نفسي وخوف، إحساس كئيب بالانفصام بين أفكاري، ومجتمعي وأهلي الذين كنت أُجبر على الصلاة أمامهم أحياناً، إحساس مستمر بالذنب من كل شيء". وتضيف: "مع زوجي في السيارة، في يومنا الأول، خلعت الحجاب ولوّحت به من النافذة، كنت سعيدة، لم أعرف نشوة كالتي شعرت بها حينها، كان هذا الطبيعي، وما يجب أن يكون".
 
تخبر ملك أن "موضوع الإلحاد هو ما استغرق وقتاً طويلاً، لا نزع الحجاب، شجعني معظم أصدقائي، هم يشبهونني في التفكير". وتتابع: "احتجت وقتاً لإخبار أهلي، حتى اليوم أرتدي الحجاب عند زيارتهم، فالموضوع شائك، كون والدي إمام جامع ولا أريد كسره أمام أهالي الحارة الذين أعرف مسبقاً كلامهم عن كوني أعيش بمفردي".
 
ملك بلا حجاب صارت تشبه نفسها أكثر، ويوماَ بعد يوم يزيد اقتناعها بقرارها: "لا أفهم الناس المعلّقين بقطعة قماش على الرأس، أو بمفهوم تغطية الجسد بشكل عام، خلع الحجاب حررني من الحصار الذي عشته والتفاصيل التي أحبها، ولم يكن بمقدوري ممارستها، كالتمثيل والرقص ضمن الفرق المسرحية أيام المدرسة والجامعة". وتستدرك: "أيامها كنت أرتدي المانطو (المعطف) وعانيت مع أهلي منه كثيراً حتى خلعته في أيامي الأولى من الجامعة". وتنهي ملك حديثها: "للحرية طعم رائع، أشفق على من لا تعرفه، أشفق على سعادة متخيلة أسمع قريباتي المحجبات، وبينهن منقبات، يتحدثن عنها، أشفق على من تظن أن الغطاء الكامل نقيض/بديل للتعري، هو المبدأ نفسه، النظرة واحدة للجسد والحب".
 
"التزام مجتمعنا تقليدي أكثر منه دينياً"
ثلاث سنوات مرت على سوريا، غيرت الكثير من معالمها، حجارتها... وتفكير سكانها. تقول نور (27 عاماً): "مجتمعنا بالمجمل لم يكن ملتزماً التزاماً حقيقياً بالدين والمظاهر الدينية، بما فيها الحجاب، فهي كانت نابعة من عادات وتقاليد أكثر من كونها قناعة، ما حدث أن مجتمعنا فجأة تفكك وسرت فيه حالة الفوضى، فانقسم على نفسه سياسياً وتبع ذلك انقسام اجتماعي وتغيّر في خريطة العلاقات، البعض سافر والآخر غرق في مشاكله نتيجة الوضع، فلم يعد أحد منهم مهتماً بما فعل الآخر".
فمن لم تكن محجبة عن قناعة ووازع ديني، بل بسبب المجتمع وكلام الناس، خلعته. وترى نور أن كل إنسان حر في قراراته، لكنها تشترط عدم الإساءة لمعتقدات الغير – من المحجبات. لنور الكثير من الصديقات اللواتي خلعن حجابهن، هي لم تكن مع الخطوة، لكن هذا لم يؤثر في صداقتهن، فهي تقبل خيارات الأخريات، كما عليهن احترام خيارها.
 
 
"صرتُ أشبه نفسي"
عرين شابة من مدينة درعا (22 عاماً) تدرس الصيدلة. اختارت يوم الثامن من آذار، اليوم العالمي للمرأة، لتطلق خصلات شعرها. 
عرين من بيئة تأبى إلا أن تتحجب الفتاة. ورغم انفتاح أهلها، فإن نظرات الجيران والأقارب كانت تلاحقها. تحجبت في سن 16 عاماً: "عندما دخلتُ الجامعة بدأت تتكون شخصيتي وتعرفت على ذاتي وتقربت منها أكثر، بدأت تدور في رأسي فكرة خلع الحجاب، لم يأت القرار في يوم وليلة، أعطيت نفسي مهلة طويلة للتفكير والبحث في تاريخ الحجاب والمجتمعات والمرأة، فدافعي لم يكن أن أبرز جمالي أو عن طيش، ومع انفتاحي على العلمانية وتقربي من العلم، أدركت أن الحجاب غير منطقي، وأني أناقض نفسي في الكثير من الأمور، وقررت جدياً خلعه بعد تفكير دام ثلاثة أعوام في يوم مميز يحتفي بالمرأة".
 
وعن رأي محيطها الاجتماعي، تقول عرين: "صديقاتي غالبيتهن محجبات وعارضن قراري، اليوم هن تحت الأمر الواقع، احترمن قراري ولم يؤثر ذلك في صحبتنا، وعدد كبير من الأصدقاء وقف معي وساندني وأولهم أهلي بعد مناقشة ايجابية واقتناع بدوافعي لخلعه، أختي أصغر مني ومحجبة لكن كل واحدة منا حرّة في أفكارها". تتابع: "نعم هناك أصدقاء ابتعدوا عني، لم أصغِ لمن تكلم عني، خرجت في يوم المرأة بلا غطاء، واثقة كالشمس".
 
 الأحداث السورية كان لها دور كبير في كسر حواجز خوف وأفكار بالية. تقول عرين: "الناس خرجوا من قوقعتهم وأصبحوا أكثر جرأة في التفكير والحكم والاختيار والفعل، لا اقتنع بأن فتاة تفضل إخفاء هويتها وشخصيتها خلف حجاب أو خمار، بغرض الحماية أو السترة!".
 
تمرد مضاعف
سارة أبوعسلي الناشطة في مجال حقوق المرأة، تقول: "بدأت ألاحظ الأمر بشكل واضح وعلني منذ بداية الأحداث السورية العام 2011، وإن لم يصل الأمر إلى حد خلع الحجاب كلياً في كل الحالات التي رأيتها. ثمة فتيات قررن تغيير نوع الحجاب، أو الانتقال من اللباس الشرعي (المعطف أو المانطو) إلى شيء مريح وعملي كالجينز والتيشرت، مع الحفاظ على حجاب بسيط ملون، أو أبيض يتناسب مع الستايل الجديد. أعتقد أن انخراط المرأة في الحراك السوري، خصوصاً من يعملن ميدانياً، في الإعلام أو الإغاثة، جعلهن يشعرن بالحاجة إلى التخفف من عبء الملبس، خصوصاً المانطو".
 
في أوساط اللاجئات في لبنان، التقت سارة بنساء كن يرتدين النقاب، وخصوصاً الآتيات من أوساط معينة، مثل ريف حلب أو ريف إدلب، وقد تخلين عن هذه العادات في بيئتهن الجديدة في لبنان. ويبدو أن تجربة النزوح أيضاً، والخروج إلى بيئة جديدة لا مكان فيها للمنقبات، ساعد النساء في التخلي عن عادات شعرن بأنها مقيِّدة أو تحول دون تقبلهن في المجتمع المضيف، لكن من دون أن يتخلين بالمطلق عن فكرة الحجاب وتغطية الشعر.
 
أما الفتيات اللواتي تجرأن على خلع الحجاب كلياً، فقد كان الأمر بالنسبة إليهن مشاركة في حالة التمرد العامة التي أعلن فيها الجميع العصيان على المسلّمات والقيود الاجتماعية. وخلع الحجاب في حالتهن، "جزء من تغيير طاول حياتهن بشكل عام، كالعمل الجديد والانتقال إلى بلد جديد والخروج من منزل الأهل، من دون أن يكون خروجاً إلى منزل الزوجية بالضرورة".
 
تقول سارة: "يبقى أن العديد من النسوة والفتيات، في المناطق الشمالية التي تسيطر عليها القوات الإسلامية المتشددة، اضطررن إلى وضع الحجاب بعدما كنّ سافرات، وقلّة اعترضن، ما يعني أن المرأة ما زالت مستعدة للرضوخ، مقابل ألا تكون عرضة للمضايقات والتحرش".
سارة مع ظاهرة التعبير عن النفس بشتى الوسائل، إن بخلع الحجاب أو بارتدائه، شرط أن ينبع الفعل من قناعة، وليس من إكراه أو رضوخ. ترى في الفتاة التي تتجرأ على خلع حجابها، تعبيراً بليغاً عن التمرد المضاعف الذي قامت به المرأة السورية: الأول ضد النظام، والثاني ضد قمع حريتها الفردية.
 
increase حجم الخط decrease