الخميس 2013/01/10

آخر تحديث: 07:06 (بيروت)

برسم سياسيي لبنان

الخميس 2013/01/10
increase حجم الخط decrease
لا أجد نفسي، بوصفي مواطناً سورياً يقيم في لبنان منذ عدّة سنوات، انطلاقاً من أصول الضيافة على الأقل، معنياً بزواريب السياسة المحليّة. إلا أنني مع حملة التصريحات المعادية للاجئين السوريين من قبل بعض الساسة المسيحيّين، على اختلاف اصطفافاتهم، أجد لزاماً عليّ بصفتي ضيفاً أولاً وراهباً ثانياً أن أبادر إلى نصح بعض مضيفيَّ عندما أجد أنهم قد وقعوا في بعض المغالطات، وأن ألفت نظرهم، بكلّ ودّ، إلى أمور قد تكون غابت عنهم في زحمة الاستعداد للانتخابات المقبلة والسعي الحثيث إلى اللعب على الأوتار الجالبة لأصوات الناخبين.
ما من شكّ بأنّ قدوم أعداد كبيرة من اللاجئين إلى بلد ما وفي فترة زمنيّة قصيرة نسبيّاً يشكّل عبئاً على المواطنين من الفئات محدودة الدخل، إذ ترتفع الأسعار لا سيّما أجرة الشقق السكنيّة. إلا أنّه لا يمكن لنا أن ننكر بحالٍ من الأحوال أن ثمّة على المقلب الآخر فئات أخرى تحقّق مكاسب ضخمة، وأن قطاعات اقتصاديّة بأكملها، كالعقارات والاستشفاء والاتصالات، تنتعش بعد ركود وتحقّق واردات غير مباشرة لخزينة الدولة. سبق لنا في سوريا أن اختبرنا ذلك عندما لامس عدد اللاجئين العراقيين، في دمشق وضواحيها فقط، عتبة المليون عقب الغزو الأميركي.
يجد هنا تذكير مَن غاب عنه من الساسة الذين يرون أن اللاجئين السوريين باتوا يشكّلون عبئاً على الدولة اللبنانية، أنّ الرفض المتكرّر والمتعمّد من حكومتهم لإقامة أيّ نوع من المخيّمات لاستضافة النازحين أسوة بالدول المجاورة، هو ما دفع بهم إلى الداخل والسكن من ثمّ في شقق وغرف ومرائب مستأجرة، الأمر الذي رفع أجرة بعض الشقق، حتّى في المناطق النائية، إلى أرقام فلكيّة يعجزون عنها لولا مساعدة المحسنين من مغتربين ورجال أعمال سوريّين وعرب، بل حتّى كثير من اللبنانيين. 
والشي بالشيء يذكر. فقد كنتُ بنفسي شاهداً على أكثر من محاولة لإقناع الحكومة اللبنانية بإقامة مخيّمات بتمويل عربيّ ودوليّ قرب الحدود، إلا أنّ هذه المحاولات اصطدمت برفضٍ قاطع كلّ مرّة، إمّا بسبب هواجس غير منطقية من تكرار مأساة المخيّمات الفلسطينية، أو لأسباب سياسيّة تتعلّق بمسايرة بعض الأطراف في الحكومة للنظام السوريّ في روايته المتنكّرة لوجود قضيّة نزوح أساساً.
أقترح على هؤلاء الساسة لتقييم عبء السوريين على حقيقته، القيام بجولة ميدانية، علّهم يطّلعون بأنفسهم على تعداد السوريين الذين يستشفون في القطاع الطبيّ المكلف، بوسائلهم الخاصة أو بدعم من المنظّمات الدولية. علّهم يتنبّهون إلى أنّ ثمّة مستشفيات بأكملها تّم استئجارها في طرابلس لتعمل بطاقتها القصوى في علاج المصابين الهاربين عبر الحدود التي يطالبون بإغلاقها. علّهم يزورون مناطق جونية، الزوق، سن الفيل، وصولاً إلى برمانا، ليطّلعوا على كمّ العائلات السورية من الطبقة الوسطى فما فوق التي تسكن مبانياً وفنادق بأكملها وبأسعار يتجاوز بعضها عتبة الألف دولار. علّهم يقومون بجولة ليلية في شوارع الحمرا حيث تحوّلت مقاهيها ومطاعمها إلى أماكن لقاء يوميّ لمئات الناشطين الهاربين. 
كلّ هؤلاء _ وأعدادهم ليست قليلة _ غير مسجّلين في "المفوضيّة السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين"، وأغلبهم يصرف مدّخراته القليلة المتبقيّة لصالح الاقتصاد اللبنانيّ، وقلّة فقط وجدت عملاً بمرتّبات غير لائقة لا تكفي غالباً لسداد حصّتهم في البيوت التي يستأجرونها بشكل جماعيّ.
 ما من شكّ أيضاً بأنّ الاستجابة الدولية ليست بحجم الأزمة، وقاصرة عن التجاوب مع المتوقّع منها. ففترة التأخير في تسجيل الوافدين الجدد في المفوضية تبلغ اليوم خمسة أشهر، وثمّة الكثير الذي يقال حيال معاناة آلاف السوريين من الطبقات المسحوقة القادمين بحثاً عن ملجأ. 
لا يعني ذلك بأيّ حال أن أزمة النزوح تشكّل حتّى اللحظة هذا العبء الذي يوحي به البعض، لا سيّما أن أغلب الجهد المبذول لخدمتهم تتحمّله المنظمات الدولية والأهلية لا الحكومية، كما لا يعني ذلك أن هذه الأزمة تُحلّ بإحياء الرُّهاب تجاه السوريين والفلسطينيين، علماً بأن الأسوأ قادم حال بدء معركة دمشق الأخيرة. 
يبدو إذا أنّ حركة المجتمع الأهلي اللبناني متقدِّمة بخطوات على سياسييه، فعلى الرغم من رواسب خبرة الماضي السيّئة، إلا أنّ التجاوب الحار الذي نلقاه من فئات عريضة من المجتمع اللبنانيّ مع  حملات دعم النازحين، يعزّز الأمل بأن تكون المحنة الحاليّة طريقاً للمصالحة التي طال انتظارها بين الشعبين، فهل نقبل بأن يُفسد الخطاب السياسيّ الشعبويّ الانتخابيّ هذه الفرصة؟ سؤال برسم العقلاء في الطبقة السياسية المسيحية.
 
increase حجم الخط decrease

الكاتب

مقالات أخرى للكاتب