الخميس 2013/08/22

آخر تحديث: 07:33 (بيروت)

خيارات ما بعد المجزرة

الخميس 2013/08/22
خيارات ما بعد المجزرة
اللجان الدولية أسيرة تماماً كما الشعب السوري (أ ف ب)
increase حجم الخط decrease
بينما كان أحد الناشطين الذين عملوا في إغاثة المصابين جراء المجزرة الكيماوية في مناطق الغوطة يصف لـ "المدن" ما شهده بأم عينيه، قائلاً: "كل مدينة في الغوطة الشرقية كانت حلبجة"، في إشارة إلى المدينة الكردية التي أباد الرئيس العراقي السابق، صدام حسين، أهلها بالسلاح الكيماوي في ثمانينيات القرن الماضي، اكتفى المجتمع الدولي ممثلاً بأعلى هيئاته أي مجلس الامن، بادانة مجزرة الغوطة.
 
وعلى الرغم من الموقف الفرنسي "القوي"، على لسان وزير الخارجية لوران فابيوس، الذي أكد أن "الأمر يتطلب رد فعل قوياً في سوريا من جانب المجتمع الدولي اذا ثبت أن القوات النظامية السورية شنت هجوماً كيماوياً على مدنيين"، فإن فابيوس لم ينس في تصريحه لإحدى المحطات التلفزيونية المحلية الفرنسية، أن يؤكد المعزوفة التي لم يملّ المجتمع الدولي من تكرارها، على الرغم من تغير الكثير من المعطيات. فأردف قائلاً: "لكن إرسال قوات على الأرض غير مطروح"، على الرغم من اعتباره بعد لقائه نظيره البريطاني وليام هيغ، بأنه إذا رفض الأسد السماح لفريق التفتيش الدولي بالتحقيق في الموقع فإن هذا سيعني أنه كان سيضبط "متلبساً".
 
وطالب 35 بلداً، أبرزها، الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا، بالإضافة إلى الجامعة العربية على لسان أمينها العام نبيل العربي، بأن يقوم كبير محققي الأمم المتحدة، آكي سيلستروم، الذي وصل ورفيقه منذ 3 أيام إلى سوريا، بالتحقيق في مجزرة الغوطة، لكن ذلك لم يغير من الاجتماع الطارئ لمجلس الامن والذي كانت السعودية طالبت بعقده.
 
مجلس الأمن، اكتفى بـ "بيان صحافي"، طالب فيه بـ "توضيح" بشأن "هجوم مزعوم بالأسلحة الكيماوية في ضواحي دمشق"، و"رحّب" بدعوة الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون، لإجراء تحقيق فوري من جانب فريق التفتيش التابع للمنظمة الدولية والموجود في سوريا بالفعل. ووفقاً لمصادر دبلوماسية، فإن المجلس لم يطالب صراحةً بتحقيق دولي يقوم به محققو الأمم المتحدة الموجود حالياً في دمشق، بسبب معارضة روسيا والصين، اللتين كانتا استخدمتا الفيتو المزدوج لحماية النظام السوري من أي تعبيرات في بيان المجلس تطالب بإجراء تحقيق للأمم المتحدة.
 
ونتيجة كل ما تقدم، فإنه بالرغم من أقل من ثلاثة كيلومترات تفصل بين مقر إقامة رئيس فريق التفتيش الدولي، السويدي أكي سيلستروم، وبين مناطق الغوطة، حيث لقي مئات السوريين حتفهم نتيجة 20 صاروخ أرض – أرض أطلقتها قوات نظام الأسد على المناطق المحررة في ريف العاصمة، فإن كبير المحققين الدوليين لن يستطيع التأكد من حقيقة ما جرى، لأنه كان واضحاً في طلب تفويض من مجلس الأمن للقيام بالتحقيق. وهو ما لم يحصل عليه الفريق الذي لا يستطيع مغادرة عتبة فندقه في دمشق من دون إذن النظام السوري.
 
هذا الأمر سبق أن تكرر في 27 أيار/ مايو 2012. وقتها قُتل أكثر من 100 شخص في مجزرة ارتكبها النظام في الحولة، في ريف حمص، تحت أنظار رئيس فريق المراقبين الدوليين النروجي، روبرت مود. يومها منعت السلطات السورية المراقبين من التوجه الى الحولة لأيام حتى تمكنت من "تنظيف" فظاعاتها في القرية الوادعة.
 
ومرة بعد مرة، يثبت أن اللجان الدولية التي كان سبقها فريق المراقبين العرب، أسيرة تماماً كما الشعب السوري، الذي جاءت بحجة تأمين الحماية له. كذلك، تبدو فرق المراقبة هذه مجرد ذر للرماد في العيون وإيهام الشعب السوري بأن المجتمع الدولي معه، بينما هي في الحقيقة غطاء دولي لرأس النظام لممارسة أبشع أنواع المجازر، وهو ما عبر عنه فابيوس بالقول إن ما حصل يعطي حكومة الاسد احساساً بالحصانة، إذا لم يقترن بالمحاسبة.
 
لكن وزير الخارجية الفرنسي، ألمح إلى "سلك طرق أخرى" للتصرف إذا لم يتمكن مجلس الامن من اتخاذ قرار حاسم، فما هي الخيارات الآن، وقد بلغ السيل زبى الكيماوي، الذي رسمت حوله العديد من الخطوط الحمراء؟
 
1-   إصدار قرار جدي من مجلس الامن تحت الفصل السابع بالتحقيق في جرائم النظام الكيماوية وغيرها، لكن من المستبعد جداً أن توافق روسيا والصين على ذلك، وأقصى ما يمكن الطموح اليه في هذا المجال هو لجان تحقيق تميّع القضية. 
 
2-   إصدار قرار من مجلس الامن بتأمين "حق الدخول الانساني" إلى المناطق المنكوبة في سوريا، وتأمين هذه الممرات الإنسانية عسكرياً إذا لزم الامر، مع العلم أن إقرار روسيا والصين بذلك يعني اتفاقاً مسبقاً مع النظام بعدم عرقلة قوافل الاغاثة، وهذا أمر لن يصمد طويلاً في أحسن الاحوال.
 
3-   تحرك من خارج مجلس الأمن على غرار ليبيا وبمشاركة عربية. لكن في ظل عدم حماسة البيت الأبيض والغرب لنصرة "الجهاديين" في حربهم وغياب استراتيجية واضحة بدعم مجموعات الجيش الحر، وعدم وجود نفط، فهناك استبعاد لهذا السيناريو.
 
4-   أن يطلب الائتلاف السوري المعارض بشكل رسمي من الجامعة العربية و"مجموعة دول أصدقاء الشعب السوري"، التدخل. وتعتبر هذه الدول أن الطلب رسمي ولا يحتاج الى موافقة من الامم المتحدة كونه صادراً عن كيان معترف به كممثل شرعي للشعب السوري.
 
 
هذا السيناريو الرابع يبدو أقرب إلى الواقعية، لكنه لن يفضي إلى تدخل عسكري، بقدر ما يؤدي إلى إنشاء "منطقة آمنة" (Safe Zone) لا "منطقة حظر جوي" (No Fly Zone)، وهو حل طرحته واشنطن قبل أشهر، على أن يجري إقامة هذه المنطقة في الشمال السوري بحجج إنسانية، أهمها تخفيف عبء النزوح عن دول الجوار، لكن موسكو عارضته وقتها بحجة قرب انعقاد مؤتمر جنيف.
والفرق بين المنطقتين كبير، ففي "المنطقة الآمنة" ممنوع أي تواجد عسكري سواء للمعارضة أو للنظام وبالتالي ممنوع تنفيذ أي أعمال حربية فيها، أما في "منطقة الحظر الجوي"، فيمكن للجيش الحر أن ينفذ عملياته انطلاقاً منها بحماية غربية.
 
في كل الأحوال، فإن أي تحرك لا يرقى إلى وضع حد فوري للمجازر التي يرتكبها النظام بحق مواطنيه في المناطق المحررة أو تلك التي لا تزال في قبضته الامنية، لن يقي من احتمال استخدام النظام في المرة المقبلة القوة الأقصى التي يمتلكها.
 
increase حجم الخط decrease

الكاتب

مقالات أخرى للكاتب