الجمعة 2013/08/30

آخر تحديث: 02:03 (بيروت)

الإتصالات في سوريا: كماليات

الجمعة 2013/08/30
increase حجم الخط decrease
 ليس غريباً أن تجري مؤسسة الاتصالات السورية تعديلاً جديداً على أسعار الاتصالات بكل أنواعها. ففي الوقت الذي أشارت فيه تقارير إحصائية عدّة إلى انخفاض واضح في وتيرة التحصيل المالي والضريبي عموماً، بدأت الدولة تستغل الموارد المالية التي لا تزال قابلةً للتحصيل. فرفعت من تكاليف استصدار جوازات السفر وبدلات الخدمة العسكرية، كما رفعت من تكاليف استصدار الأوراق الرسمية عبر "طابع للمجهود الحربي"، ورفعت أسعار مشتقات الدم عبر بنك الدم التابع لوزارة الدفاع. ومنذ فترة وجيزة صدرت مجموعة من القرارات قضت برفع تكاليف المكالمات الهاتفية الثابتة والخلوية بنسبة تقارب 30-50%. أمّا تكاليف الاتصال الخلوي بالإنترنت من الجيلين الثاني والثالث فقد تم رفعها بنسبة 100% مع بداية الشهر الحالي.
وبرغم أن مزودي خدمة الاتصالات الخلوية في سوريا ("أم.تي.أن"MTN Syria و"سيرياتل") يعتبران شركتين مساهمتين، إلا أن العقد المبرم مع الدولة في العام 2000 بصيغة عقد "بناء وتشغيل وإسترداد" B.O.T قد انتهى أجله العام 2010، ومنذ ذلك الوقت قامت الدولة بتسلّم إدارة الشركتين وإلحاقهما "بالمؤسسة السورية للاتصالات" التابعة للدولة. وسمحت للمستثمرين باستمرار الإشراف على التفاصيل الإدارية مقابل حصول الدولة على 80% من كامل العائدات، فيما يحصل المستثمرون على 20% من العائدات متحملين كل التكاليف الإدارية والتوظيفية وتكاليف الصيانة.
الاتصالات المحلية والقطرية الثابتة كانت الأوفر حظاً، إذ تم رفع تكاليفها بنسبة تقل عن 50%، فيما رفعت تسعيرة الاتصال بالإنترنت بنسبة 100%. وبرغم أن انقطاع خدمات الاتصالات بشكل متكرر لأسباب أمنية قد يستمر أسابيع عدة في حلب وحمص وحماه بشكل خاص، علمت "المدن" أنّ شركات الاتصالات الخلوية تستمر في تحصيل الفواتير الشهرية عن فترات الانقطاع كأنّ شيئاً لم يكن، وتعتبر أنّه لا يمكن تعويض المشتركين باعتبار أن الانقطاع "ناتج عن أسباب خارجة عن إرادة الشركة".
وكان الشهر الماضي قد شهد فجأة ودون سابق تبرير إعلان مزودي الهاتف الجوال في سوريا رفع سعر التخابر الهاتفي مع الدول المجاورة بشكل قياسي، وخصوصاً في دول الجوار التي تضمّ عدداً كبيراً من السوريين كتركيا ولبنان والأردن ومصر. إذ قفز سعر الاتصال للدقيقة الواحدة إلى تركيا بشكل مفاجئ من 30 ليرة إلى 1214 ليرة (بواقع 40 ضعفاً تقريباً). في الوقت الذي برر فيه مركز خدمة الزبائن في شركة MTN هذا التغيير بأن "التعرفة تخضع للتغيير بشكل مستمر".
وكانت تقارير نشرتها صحف محلية سورية العام 2011 ذكرت أنّ خدمات الجيل الثالث للإنترنت في سوريا تعتبر أكثر كلفةً من أغلب دول العالم. ونشرت تصريحات لمسؤولين في المؤسسة السورية للاتصالات تبرّر رفع تكاليف الاتصالات بأنّ "التكلفة المرتبطة أساساً بالنفقات التشغيلية الناجمة عن ارتفاع أسعار المدخلات قد تفاقمت، بالإضافة إلى ارتفاع تكاليف العقود الاستثمارية الخارجية المبرمة بالقطع الأجنبي لصيانة الشبكات وتحديثها، وارتفاع تكاليف صيانة مكونات شبكات الاتصالات التي تعرضت للتدمير وخروج أجزاء كبيرة من شبكات الاتصالات عن الخدمة، أو توقفها عن العمل لمدد طويلة، مع تناقص عدد المشتركين وحركتهم".
وبالنظر إلى الجزء الأخير: "تناقص عدد المشتركين وحركتهم" يبدو أنّ تعويض آثار النقص الديموغرافي هو جزء من استراتيجية تسعير الدولة لخدماتها، بعد أن هجر سوريا أكثر من مليوني سوريّ واعتقل مئات الآلاف وقُتل أكثر من 100 ألف منهم، ودخل حوالي 60% من النسبة المتبقية إلى دائرة البطالة، و20% منهم إلى ما تحت خط الفقر.
ثمة رأي أخير حول المسألة لا يمكن تجاهله، قوامه الحدّ من استخدام شبكة الإنترنت عبر رفع الأسعار بهذه الطريقة، خصوصاً أنّ نسبة جيدة من المستخدمين لن تكون قادرة على تحمل تكاليف الاشتراك، ما سيضطرها إلى العودة مجدداً إلى مقاهي الإنترنت المنتشرة، والتي تطلب منها الجهات الأمنية ملفات كاملة تتضمن أسماء المستخدمين وأرقام هوياتهم، وأوقات دخولهم وخروجهم، ومراقبة الصفحات كافة التي يقومون بالولوج إليها.
 
increase حجم الخط decrease

الكاتب

مقالات أخرى للكاتب