الثلاثاء 2013/08/20

آخر تحديث: 05:16 (بيروت)

روسيا تقنّن دعمها الإقتصادي

الثلاثاء 2013/08/20
روسيا تقنّن دعمها الإقتصادي
خفض حجم المساعدات الروسية إلى سوريا (أ ف ب)
increase حجم الخط decrease
برغم استمرار الحفر في بنية النظام السوري الاقتصادية، يستمر اعتراف الباحثين بالعجز عن الوصول إلى إجابة وافية عن سرّ صموده الاقتصادي. ثمة تفاصيل تجري تحت الطاولة لا يعرف منها إلا شذرات تحمل بصمات الراعي الاقتصادي الأساسي للنظام منذ بداية الأزمة: روسيا. وهو الأمر الذي يشتدّ غرابةً وصعوبةً مع مرور الوقت.
البصمات الروسية واضحة في ما يتعلق بمحورين أساسيين هما العملة السورية والسلاح السوري. إنما لسببٍ أو لآخر بدأت مظاهر التعاون الاقتصادي تتخذ مساراً جديداً منذ بداية الصراع المسلح في العاصمة الاقتصادية حلب. وبعد عامٍ من الحصار الاقتصادي والعسكري للمدينة بات من الواضح أنّ مزاعم التدخل المباشر والتطهير السريع للمدينة ليست أمراً سهل التحقيق. وعادت إيران لتطفو إلى واجهة العمل الاقتصادي في سوريا، هذه المرّة بشكلٍ أكبر وأوضح وأكثر مباشرة.
نتائج الخط الائتماني الذي تم الاتفاق عليه بين الجانبين السوري والإيراني لم تكن بالقليلة، ففي خلال الشهرين الماضيين استطاع النظام السوري المباشرة بإجراءاتٍ حاسمةٍ وغريبة التوقيت للحد من الأزمة الاقتصادية. وبعد عامين من استنزاف الاقتصاد السوري قام بإقرار زيادةٍ في رواتب الموظفين لضمان رفع كمية النقد السوري في الأسواق، كما قام بإعادة حلب – المدينة المنسية من حساباته منذ عام تقريباً – إلى سياسة الدعم الجزئي للمحروقات ومشتقات الطحين في أثناء حصارها الخانق، بينما كانت محرومةً من أي دعم قبل الحصار المفروض.
يقول الاقتصادي ياسر الضعيف لـ"المدن" أنّ النظام السوري كان قد أهمل حلب تماماً طيلة عامٍ كامل، وأنّ المحروقات ومشتقات الطحين والقطع الأجنبي كلها كانت مقتصرةً على نشاط السوق السوداء، وكانت المحروقات بشكل أساسي سبب التضخم الاقتصادي في ظل الأزمة الكهربائية الخانقة. يضيف الضعيف أنّ تحسّن التغذية الكهربائية وإعادة فتح بعض محطات البنزين في حلب وبعض مخابز الدولة بعد هذه الفترة وفي ظل الحصار الاقتصادي أمر لا يمكن تفسيره إلا في ضوء الحديث عن الاتفاقات الاقتصادية الجديدة مع الجانب الإيراني.
وكانت مصادر رسمية نقلت خبر عقد اتفاقات بين الجانبين السوري والإيراني في تموز الماضي لتعزيز التعاون في مجال المشتقات النفطية والطاقة الكهربائية وتأمين حاجات سورية من الأدوية. ونقلت وكالة الأنباء الرسمية "سانا" عن رئيس الحكومة السورية قوله إنه: "من الضروري الالتزام بالبرنامج الزمني لتنفيذ الاتفاقات مع ايران، ولاسيما في ما يتعلق بتأهيل محطات توليد الطاقة الكهربائية وتزويد الشبكة السورية بـ300 ميغاواط ساعي"، بالإضافة إلى "تزويد سورية بـ50 ألف طن من الطحين مباشرة"، وكذلك "اشادة مطحنتين في محافظتي درعا والسويداء، نظراً لموقعهما القريب من دمشق"، و"تنفيذ الاتفاقيات في مجال توريد المواد الغذائية الأساسية إلى سورية وخاصة مادتي الفروج والبطاطا"، وأيضاً "تزويد سورية بالتجهيزات الطبية وبعض صنوف الأدوية والتعاون في مجال المشتقات النفطية بما فيها المازوت والغاز والفيول". 
وكان مدير المصرف التجاري السوري أحمد دياب أكد في وقت سابق أن خطاً ائتمانياً بقيمة مليار دولار قابلاً للزيادة إلى ثلاثة مليارات دولار، تم تفعيله بزيارة الوفد الإيراني مع بنك الصادرات الإيراني.
هكذا، إذن، ينتقل الثقل الاقتصادي الداعم للنظام السوري بشكلٍ واضح من الكفة الروسية إلى الكفة الإيرانية بشكلٍ يثير الاستغراب، في الوقت الذي تراجعت فيه واردات النفط الإيراني بنسبةٍ تعادل 20% عن الأشهر الستة الأولى من العام الجاري، لتضع إيران في موقفٍ لا تحسد عليه اقتصادياً في ظل حصارٍ وعقوباتٍ اقتصادية شديدة تستبعد جداً إمكان دعم النظام الإيراني لحليفه الاستراتيجي. ولا تبدو الآفاق واضحةً في ما يتعلق باستمرار هذا الدعم الاقتصادي لنظامٍ متآكل من قبل نظامٍ يشهد أقسى مراحل انهياره الاقتصادي، ولا التعاون المتبادل بين دولتين محاصرتين اقتصادياً ترزحان تحت وطأة تضخّم مرعب وانهيار متسارع لعملتيهما الوطنيتين.
ثمة ما يسترعي الانتباه أيضاً، فتوجّه ثقل بوصلة الدعم الاقتصادي باتجاه إيران قد يشي بتطوراتٍ جديدة للموقف الروسي من النظام السوري أو العكس. وفيما يبدو اقتصاد الجانب الروسي أنسب للدعم الاقتصادي من الاقتصاد الإيراني المتآكل، يبدو أن الاتجاه المعاكس هو الذي يتمّ تفعيله. وقد يفضي ذلك إلى إعادة ترتيب للولاءات والأولويات في الفترة القريبة القادمة، أو إعادة توزيع الدعم بين الجانبين الروسي والإيراني بشكلٍ أكثر تخصصاً. إذّ ذاك يغدو الربط منطقياً بين الدعم الاقتصادي المعيشي من قبل إيران، في مقابل الحديث المستمر عن إصرار الروس على تزويد النظام السوري بمنظومة صواريخ إس 300. وقد يشير هذا الأمر إلى أن روسيا قد ضاقت ذرعاً بتحمّل كل أعباء سياسات النظام السوري وحدها. لكنّ الواضح الآن هو استشعار النظام السوري وحلفائه تأثير التضخم الاقتصادي على قوة مواقفهم، وتبني سياسة تخفيف الأضرار بدلاً من تجاهلها، وإن كان من الصعب التكهن بمدى القدرة على الاستمرار في استنزاف الموارد بهذه الطريقة.
 
increase حجم الخط decrease

الكاتب

مقالات أخرى للكاتب