الأربعاء 2013/08/14

آخر تحديث: 01:57 (بيروت)

"المركزي السوري" يقتل الليرة

الأربعاء 2013/08/14
"المركزي السوري" يقتل الليرة
سياسات المصرف المركزي تدمر العملة الوطنية (أ ف ب)
increase حجم الخط decrease
في الوقت الذي يسوّق فيه مسؤولون ماليون سوريون لآلية التدخل التي يمارسها "مصرف سورية المركزي"، عبر تصريحات تعتبر أن هذه الآلية أفضت إلى خفض سعر صرف الدولار من 330 ليرة سورية إلى ما يتراوح بين 185 وبين 200 ليرة سورية، لم يخل ذلك من تحليلات اقتصادية معاكسة تماماً لهذه التصريحات. منها تصريح للباحث الاقتصادي والمالي عابد فضلية  لصحيفة "الوطن" المحلية كشف أن اعتماد المركزي على آلية البيع بالمزاد في بيع القطع لتموين السوق و"التي سماها المركزي جلسات التدخل"، ليست سوى جلسات يتم البيع فيها لمن يدفع أكثر، وهذا يعد رفعاً رسمياً لسعر القطع في السوق.
وبنظرة أشمل لسياسة "المركزي السوري"، وبعيداً من الاقتصار على مجرد ضخ كميات من القطع الأجنبي في الأسواق، ينيغي العودة إلى جذر المشكلة السياسي - الاقتصادي المتمثل في تقلص الإنتاج المحلي والاعتماد بشكلٍ ضخم على الاستيراد من دول الجوار. الأمر الذي يتعامل معه المصرف المركزي بطريقة التقطير والتقليص في تغطية احتياجات المستوردين من قبل الدولة ومنع تمويل حاجات المستوردين، إلا بشروط مجحفة وبسقف منخفض، خصوصاً مستوردي المواد الأولية والوسيطة والسلع الغذائية الضرورية جداً. الأمر الذي يدفع المستوردين للبحث عن القطع الأجنبي في السوق السوداء، وبالتالي زيادة في الطلب على القطع في هذه السوق. 
كان مصرف سورية المركزي قد توقف عن تمويل مستوردات القطاع الخاص منذ شهر أبريل - نيسان 2013، برغم محدودية وضعف التوازن بين العرض والطلب في سوق القطع، ما يدفع المضاربين وبعض تجار العملة للتأجيج غير المبرر لسعر القطع والتلاعب به، لتحقيق الأرباح الاستثنائية الكبيرة. مصادر مطلعة على الاوضاع النقدية في حلب ودمشق تقول لـ"المدن" أن شركات الصرافة تقوم برفع بيروقراطية العمل بهدف عرقلة بيع القطع الأجنبي للمواطنين والتصرف بها بوسائل أخرى وبأسعار أعلى من الأسعار المفروضة. ولا يزال المركزي منذ بداية الأزمة حتى اليوم يعتمد في تدخله الإيجابي في سوق القطع على شركات الصرافة كشريك وسيط رئيسي مقابل محدودية الدور الذي يعطيه المركزي للمصارف الخاصة والعامة في سوريا. بغض النظر عن التجاوزات التي ثبت أن بعض هذه الشركات ترتكبها، فإن إطلاق الدور الكامل للمصارف وشركات الصرافة لن يتعدّى الدور المسكّن والمؤقت الذي لا بدّ وأن يعتاش على الضخ المستمر للقطع الأجنبي، والذي سيبقى دوره محدوداً في ظلّ عدم فهم طبيعة التوازن المفقود بين عرض وطلب القطع الأجنبي بالنسبة للمستوردين.
المركزي الذي يعتبر أن إعادة التوازن إلى قيمة الليرة السورية هي مجرد مسألة وقت أو إجراءات نقدية فقط، تغيب عن سياساته وإجراءاته الكثير من العوامل والمؤشرات الأخرى التي تلعب الدور الرئيسي في تحديد قيمة وقوة الليرة السورية، وتفتقد هذه السياسات والإجراءات الرؤى الاقتصادية الكلية والجزئية ذات الصلة بالمسألة الإنتاجية السلعية. وبالتالي فإن دعم قيمة الليرة يتطلب أيضاً إلى جانب جميع الإجراءات النقدية والمالية الأخرى، دعماً لكل القطاعات والطاقات الإنتاجية السلعية والخدمية في إطار سياسة اقتصادية كلية يقع على كاهل "مصرف سورية المركزي" وضعها على أن تكون السياسة النقدية أحد مكوناتها.
يذكر أن قانون النقد الأساسي الصادر بالمرسوم الرقم 21 للعام 2011 نص على أن من أهم واجبات مصرف سورية المركزي الحفاظ على استقرار قيمة الليرة السورية، كما نص صراحة على أن من واجب المركزي دعم السياسات الاقتصادية على المستوى الكلي، بتعزيز النمو الاقتصادي والتشغيل، وبالتالي فإن مشروع قانون النقد الأساسي يدرك أن قيمة وقوة الليرة السورية تستمدان من أركان الاقتصاد الحقيقي عبر تشجيع القطاعات الإنتاجية، بهدف زيادة حجم الكتلة السلعية والخدمية كي تقابل الارتفاع أو التضخم أو الزيادة في الكتلة النقدية، ما يسهم في دعم قيمة الليرة السورية أو يساعد على استقرارها على الأقل. ويتساءل أحد الباحثين "لماذا لا يتم التركيز على زيادة الكتلة السلعية بالتنشيط في المناطق الآمنة، على الأقل لتقليص الهوة بين الكتلتين فيخف الطلب والضغط على القطع الأجنبي لغايات الاستيراد وبالتالي تتحسن قيمة العملة الوطنية".
يذكر أنّ مصادر في وزارة المالية صرّحت بأنّ السياسة الحالية للدولة تقضي بتجميد وإيقاف أي مشاريع عمل جديدة مقترحة للدولة، والاقتصار على تشغيل المشاريع الموجودة سابقاً. الأمر الذي يعني أن السياسة الاقتصادية والمالية الحالية تسير نحو زيادة انحدار الليرة السورية تدريجياً بالتخلي عن إيجاد أي آليات وطرق بديلة عن الاستيراد من الخارج، في الوقت الذي يقوم فيه التصعيد العسكري والسياسي بمهمة القضاء على آخر ما تبقى من الموارد الداخلية، خصوصاً أنّ المناطق "الآمنة" آخذة في التآكل بعد انتشار العمل العسكري إلى كل من الجزيرة السورية والساحل السوري في وقتٍ قياسي.
increase حجم الخط decrease

الكاتب

مقالات أخرى للكاتب