الجمعة 2014/11/21

آخر تحديث: 15:00 (بيروت)

"شجر" فؤاد نعيم الذي يمكن أن يكون منزلاً

الجمعة 2014/11/21
increase حجم الخط decrease
يبحث زائر معرض فؤاد نعيم (صالة نهى الراضي - مسرح المدينة - حتى 15 كانون الأول) عن "الشجر"، التي حملها كعنوان له. يجد بعضها ظاهراً في لوحات، تجمع ألواناً غير الأخضر والترابي، بعضها الآخر، يقع عليها في لوحات، تتضمنها هندسياً وليس مرئياً. فالفنان يشجّر رسمه، يمارسه على أشكال شبه حادة، يركبها ويثبتها في أمكنتها، حتى تنتج مشهدها المتأرجح، مكانياً بين المنزل وخارجه.

ذاك، أن الأغلب من الرسومات، لا سيما الطبيعية منها، يبدو منظورها بيتي، أي أن نعيم يطل على مدينته وقريته بالإضافة إلى شخصياته من إحدى النوافذ المفتوحة. يسترق النظر ويلوّن، وبين الإستراق والتلوين، يزرع حديقة غير ثابتة. أولاً، لأنها منشطرة بين مزهريات ونباتات وثمار. وثانياً، لأنها تتألف بجذوع وأغصان وجذور مجردة، قد تلتقي بها العين في خارجها، كما لو أنها ليست حديقة، بل شكلها، أو فكرتها فقط.

لكنه، شكل مهزوز وفكرة نازحة عن الأشجار، التي، وبحسبما مثلها نعيم، لا تقدر على تثبيت تربتها اللونية أو الهندسية. فهي في مطافها الأول، ملوية الجذع والعصافير تقف على أغصانها المنحنية، وفي مطافها الأخير، تتغير قارباً من خشب، يكاد يغرق في بحر حالك. ومن مطاف إلى ثان، مرةً، تتقلص إلى شجيرات في مزهرية، ومرةً تختفي وراء امرأة سمينة، وحيناً تتحول إلى كنبة، لا يجلس عليها أحد، وحيناً إلى طاولة.... وعلى مقلب مشهدي آخر، قد تسكن الأشجار شخصيةً بعينها، مثل تلك المرأة، التي تعلق غطاء أبيض على حبل غسيل، فتلوح فوقه كأنها قطعة قماش أيضاً، الهواء يهب عليها ويرجفها.

إلا أن نعيم ترك خطاً أسوداً على ثيابها، خطاً يشبه الملقط، وهو بمثابة استمرار للظلمة الطاغية على اللوحة. بالتالي، الملقط  يتشكل بحسب العتمة، التي تصبح بهذا الفعل، خشبية، كأنها تضمر غابةً في داخلها. المرأة في تلك الرسمة، شجرة ابتعدت عن الغابة، التي تتقدم نحوها، محاولةً القبض عليها من جديد.

على أن الصراع بين الغابة أو الليل الخشبي والأشجار الفالتة منه، أو الشخصيات التي مثلت النساء غالبيتها، يأخذ منحى مختلفاً عند معاينة إحدى اللوحات، حيث تظهر امرأة سمينة، وخلفها شجرة تفاح. إذ تغطيها بجسمها، وعلى وجهها ومن حولها ملمحاً من ملامح الغبطة، تضاعفه الألوان الزاهية. وفي إخفاء الشجرة بالجسد، إما إعلان انتصار أو اشهار لعلاقة بين التفاح والأعضاء، التي تقترب من كونها ثمار منفوخة أيضاً، يلفها الجلد المتمدد حتى الحافات، حتى امتلاء اللوحة به.

فهناك صلة بين الإثمار والسُمنة، وبين المرأة والشجرة تتضح مع ملاحقة تغيرات الخشب، ظهوره وإخراجه، من رسم إلى آخر يتضمن أشكال مزروعة، أو مغروسة، أو منبسطة مثل المرأة المستلقية على كنبة، بساقين طويلتين وبين يدها، كتاب "مديح الكسل" لأوجين مارسان.

لقد تنقل الرسام من الغابة إلى الليل، ثم عاد إلى المنزل، الذي يخرج الأشجار فيها من خلال مادتها الخشبية، وعبر الشجيرات الحاضرة في المزهريات. هذا ما يتوازن مع فعل الرسم بحد ذاته، إذ أن أسلوب نعيم بيتي أيضاً، يظهر كأنه مزاول في أوقات الفراغ بلا أي رغبة في الإحتراف، بل بالتعبير فقط. حتى يكاد المحدق في لوحاته يقربها من أساليب رسامين معروفين، ويقاربها بحسب معايير خطية، معروفة عند تيارات معلومة، كالتكعيبية والإنطباعية وغيرها.
كما أن معاين الرسومات، يدرك في لحظة ما، أن خيال فؤاد نعيم شجري، يصنع مشاهده كأنها أغصان مكسرة أو ملتوية أو مضطربة، وعندما يُدخل شخصية ما إليها، يحافظ على عناصرها عبر الحجب أو التغير. وهو في كل الأحوال، ينظر إلى الشجرة كأنها منزل، شبيهة بشجرة الكافور الصينية العملاقة، التي حولها سكان قريتها القريبة من مدينة ده شينغ إلى مكانٍ للتسلية واللهو، فيها يلعب الأطفال قفزاً وغناءاً ورسماً. الآن يمكن تغيير عنوان معرض فؤاد نعيم إلى "منزل".
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها