من ناحية، "مشروع ليلى" تتماثل مع الجمهور، ومن ناحية أخرى، الجمهور يقع على ما يطلبه فيها. فيتفق الإثنان على أن يكون كل منهما، غيره، لدرجة الإختلاط وانعدام التمايز. إلا أن أعضاء الفرقة يرفضون مآل حالهم، حتى لو كانوا عالقين في كواليس التواطؤ مع صورتهم المتبدلة بين دقيقة وأخرى في غاية الإنتشار والشهرة والدعم. وانطلاقاً من الوجوه التي تنظر إليهم. وهم كلما حاولوا الخروج منها، عادوا إليها من جديد، كأن إمكان تمثيلهم حياة المستمع، وإرضائه، بمثابة المقلب الثاني، أو بالأحرى الثالث، لانحباسهم في خيارٍ بعينه، مفاده إطاعة بُغية الغير، وتحقيقها. الفرقة تحتضر في حلم آخرها، في عقدها معه، المساوي لعقد الزواج، الذي يعود بالنفع، بـ"المهر"، عليها.
قد يدل اختناق "مشروع ليلى" على الفرق بين الإنتفاع والإستفادة. الأول، يزيل المسافة الفاصلة بين الفرقة وغيرها بغناء المطلوب منها. والثانية، تزاول في الوسط الذي يتقدم منه الإثنان من دون أن يمثل أي منهما الآخر، أو يؤاتيه على صورة عنه لديه. فعقد التواطؤ، الذي انتفعت الفرقة منه، يعني ثباتها في تصويرها، وامتناعها عن الحركة المنسجمة أو المتناقضة أو المتفارقة في ظله.
عقد يضاعف تشبهها بالجمهور ليستحيل تشاكلاً معه، لا سيما مع ظهور الرجل الملتحي في الفرقة وبين أعضائها، الذين يتفاجأون بحضوره اللاحق على غياب سنو، كأنه هو المغني بعد وقت ما، بعد أن "يكبر"، أو كأنه نموذج المُخاطَب الأساس (الطرف الثاني من عقد التواطؤ، الجمهور أو الراعي) في الأغنية. إذ يتبعهم، ويستأثر بهم، مثلما تفعل تلك العيون المحدقة فيهم عبر الشاشات الكثيرة، فيشي بأوضاعهم المقبلة في حال واصلوا تلبية صورتهم، والمشاركة في تأليفها بحسبما يروم ويبتغي. لكنهم، وعلى الرغم من معاش الضغط، الذي يودي بهم من كواليس التواطؤ إلى خشبة الحفلة، يرفضون ما هم عليه، وأول ما يفعلونه هو توجيه نقدهم إلى أنفسهم، وإلى الآخرين عبرهم.
عندما تصل الفرقة إلى خشبة الحفلة، وتطل من موقعها الموسيقي، تطرح سؤالاً مؤلفاً بنقد حالها، ومآل مَن "يقف" أو "يتمدد" في وضعها، أي مَن يمتثل لعقد الإنتفاع عبر تمثيل غيره وكوْنه: "ليه ليهمني كون بدل من إني صير؟". هنا، الصيرورة في مواجهة الكينونة، التي يجري التمسك بها خوفاً من النهاية أو تأجيلاً لها. لكن، الفرقة تقر بنهاية العقد، لأن "كل الإشيا بتعيش لتنتهي بلحن جديد"، أي أن نهايتها مفيدة لها، أو جزءاً من تجددها.
صحيح أن "مشروع ليلى" تنتقد آخريها، أي الطرف المقابل لها في عقد التواطؤ. لكنها، في الوقت نفسه، لا ترمي المسؤولية عليه، لأنها هي التي اختارت سبيلها إليه: "الفرق بين الحرية والخضوع تخيير، أنا اللي اخترت، أنا اللي قبلت، أنا قلت".
تحتج الفرقة، وفي غضون نقدها الذاتي، يتغير إدراكها، وبعدما وافقت على مراد جمهورها، يحين دورها لتطلب من نفسها ومنه قول الأشياء كما هي، وبالبعيد من أوهامها: "سمي الشيطان باسمو وسمي الفنان كذاب، نصف الأشيا يللي بحسها بتجي من الخيال، وإذا بناقض نفسي كلنا منحتوي أعداد". كأن "مشروع ليلى" قبل هذا المقطع ليست هي ذاتها بعده، ولهذا السبب، يقع الرجل الملتحي في حيرة من العلاقة معها، فيسير خلفها، ويحاول إبعاد مغنيها، والإستيلاء على ميكروفونه، وهذا ما يجري بالفعل.
لقد حاولت "مشروع ليلى" الانفلات من عقد التواطؤ، ومن طرفه المقابل لها، رفضته، وانحازت لصيرورتها بدلاً من كينونتها، بحسبه. للأعداد المتناقضة فيها بدلاً من الصورة الواحدة. لقول الأشياء كما هي بدلاً من القول-الطلب. للتفارق بدلاً من التشاكل، لنقد العلاقة مع ذاتها ومع الآخرين بدلاً من الذم والمدح. لكن، محاولتها هذه أنهت غناءها، وأبعدتها من الميكروفون، كأن الرجل الملتحي يريد أن يلزمها بالتناسب معه، بوصفه جمهوراً أو ممولاً أو داعماً إعلانياً. وذلك، بلا أن يدرك أن نهاية الأغنية تسجل لصالح الفرقة، التي بدت أغنيتها الجديدة كأنها قول-عبور إلى وضع مختلف، وربما لن يوجد فيه "ثلاث دقائق"، ولا مهر، ولا عقد مسؤولية، ولا حتى قنينة "أبسلوت" ملونة أو مشروب طاقة، "ريد بول"!
اشترك معنا في نشرة المدن الدورية لتبقى على اتصال دائم بالحدث
التعليقات
التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها