الإثنين 2020/05/11

آخر تحديث: 13:44 (بيروت)

انطولوجيا الرقص الموزمبيقي

الإثنين 2020/05/11
increase حجم الخط decrease
يرقصون تحت الشمس ويديرون ظهورهم للغيوم. هكذا تماماً يطبق أبناء القارة السمراء أحد أشهر أمثالهم الشعبية. فإلى كونه جزءاً أساسياً من الطقوس التعبدية، الدينية والاجتماعية، يعتبر الرقص لدى الأفارقة عزاءهم المريح وسلاحهم الأفعل لمواجهة قسوة الحياة ومتاعبها.

ويُعدّ الشعب الموزمبيقي من أكثر الشعوب الأفريقية انغماساً في فنون الرقص وتأثراً بهذا التراث الفني الثقافي الحافل، وبثقافات عديدة، منها الثقافة العربية.
ونعرض هنا أبرز الرقصات التقليدية في دولة الموزمبيق، الواقعة جنوب شرقي أفريقيا، والتي ترافق أبناءها في جميع احتفالاتهم الاجتماعية، حيث يعبرون من خلالها عن انفعالاتهم المختلفة، ولطالما استخدموها كوسيلة من وسائل مقاومة التثاقف السلبي والاستحواذ في عصر الاستعمار.


رقصة مابيكو (Mapiku)
هي من أهم رقصات الـ"ماكونديز"، وهم مجموعة عرقية تعيش في محافظة "كابو ديلغادو" (شمال شرق الموزمبيق). وتعتبر هذه الرقصة مهمة جداً في حياة الماكونديز، والأكثر تعبيراً من غيرها. ترافق هذه الرقصة هالة من الغموض حيث تبقى هوية الراقص غير معروفة طوال فترة العرض، وذلك من خلال قناع خشبي يرتديه ويمثل أشكالاً حيوانية ويحمل اسم الرقصة نفسها: "مابيكو". وترمز عملية إخفاء الوجه إلى أرواح الأجداد بحسب معتقداتهم.

تمارس المابيكو للإحتفال بأحداث متعددة، من أهمها انتقال الأولاد من مرحلة المراهقة إلى مرحلة البلوغ، وكذلك بعد عملية ختان الفتيان في أحراش المحافظة وعودتهم الى ديارهم بعد غيابهم لمدة شهرين عن أهاليهم، او أثناء طقوس وداع من يموت من أفراد المجموعة أو العائلة. أما خطواتها، فتتماشى مع موسيقى الطبول، ليقدم الراقص نوعاً مبهراً من الفن المسرحي.


لينغوندومبوي: Lingundumbwe
وهي النسخة النسائية التعبيرية لرقصة "مابيكو"، ففي أعقاب الحرب من أجل التحرر الوطني، اخترعت مجموعة من نساء مجموعات "ماكوندي" قناع "مابيكو" النسوي، ومن ثم انتشر الاختراع في أنحاء الهضبة، ليصبح رقصة مميزة لجيل من النساء الثوريات. ويقدم تاريخ هذه الرقصة نظرة إلى الأبعاد العاطفية والجمالية للثورة الموزمبيقية.
وتؤدى الـ"لينغوندمبوي" اليوم في العديد من المناطق، احتفالاً ببلوغ الفتاة بعد دورتها الشهرية الأولى.


رقصة المارابينتا: Marrabenta
هو ايقاع رئيسي وحضاري في الموزمبيق، حيث يعود للأشخاص الذين تأثروا بالثقافة الغربية بعيداً من بيئتهم الثقافية الريفية. شهدت الماريبينتا انتشاراً واسعاً في العصر الذهبي "لورنكو ماركيز" (مابوتو حالياً)، عندما كانت البلاد لا تزال تحت الحكم الاستعماري البرتغالي.
ويقول الموسيقي الموزمبيقي غابريال شياو، أنها بدأت من رقصة تسمى Dzukata، ومن ثم تطورت مع الحفاظ على الإيماءات والحركات الراقصة ذاتها ولكن مع إدخال بعض الآلات الموسيقية الغربية. ونظرا لنقص التعلم الأكاديمي في الموزمبيق، نشأ هذا النوع من اندماج الموسيقى الأوروبية مع الإيقاعات التقليدية للبلاد.
عادة، كان يعزف عليها رجل، ترافقه جوقة من النساء، ويلعب موسيقاه بأدوات مصنوعة من مواد مرتجلة، مثل علب الزيت وخطوط الصيد وقطع الخشب.
أما كلمة Marrabenta، فيقول أحد الموسيقيين إنها تأتي من فعل Arrebentar، ما يعني "ينفجر"، في إشارة محتملة الى القيثارات الرخيصة التي تنفجر اوتارها بسهولة، او الى انفجار زي النساء التقليدي خلال رقصهن بشكل مفرط، حيث كان يقال للراقصات: "ارقصن حتى تنفجر الـ"كابولانا".
غُنّيتْ كلمات الأغاني التي كانت ترافق المارابينتا، في كثير من الأحيان، باللهجات المحلية، عن الحب والحياة اليومية وتاريخ الموزمبيق، ولكنها لم تقتصر على ذلك فقط، بل وجهت الاغاني انتقادات سياسية واجتماعية متأصلة، عكست رغبة شعب البلاد بالحرية. ولهذا السبب، اعتبر البرتغاليون المارابينتا، خطرا وتخريبا وطريقة لنشر المثل الثورية، مما دفعهم لإغلاق الأماكن التي كان ينتج فيها هذا النوع من الموسيقى.
تقدم المارابينتا اليوم، كعرض احتفالي في المناسبات السعيدة خاصة، كالأفراح مثلاَ.


رقصة التوفو (Tufo)
هي رقصة عربية الأصل ومن الرقصات الأكثر شهرة في محافظتي "كابو ديلغادو" و"نامبولا" (شمال الموزمبيق)، وكذلك في عاصمة البلاد "مابوتو".
تؤدي التوفو مجموعات من النساء، احتفالا بالمهرجانات والأعياد الإسلامية، وعادة ما يضعن ال Musiro على وجوههن خلال تأديتها، وهو محلول تجميلي طبيعي، يستخرج من عشبة تحمل الإسم نفسه، مفيدة للبشرة كما يزعمن، ويرتدين زياً تقليدياً ملونا يعرف بالـ"Capulana". تؤدى هذه الرقصة تقليدياً بتحريك الراقصات النصفين العلويين من أجسادهن على انغام أغانٍ تقليدية.
وحسب ما يقول بعض قدماء العرب الذين مروا من تلك البلاد، فإن التوفو رقصة دينية بحت، أنشأتها عائشة زوجة النبي محمد، أما البعض الآخر، فيقول إنها قُدّمت للمرة الأولى خلال عهد سلطنة "انجوش" والسلطان حسان ايسوفو، الذي استقر في جزيرة موزمبيق بعد وفاة احد أقاربه. ووفقا للبيانات التاريخية، كانت رقصة دينية للثناء. أما اسم "توفو"، فيأتي من كلمة Adduff، ما يعني الدفّ باللغة العربية.


رقصة الموليدي (Maulide)
هي اشبه بتظاهرة إيمانية يقودها المسلمون من الرجال فقط، حاملين في أيديهم نوعاً من الدبابيس او أدوات حادة تسمى tapuchi، تخترق الجسم دون ان تسفك الدماء او أن تترك أي أثر. ويقضي كل من يود المشاركة في هذه الرقصة، ١٥ يوما قبل موعدها، بدون اي نشاط جنسي ودون تناول الأسماك، بهدف إعداد الأجسام لمثل هذه الطقوس. وتنتشر الموليدي، بكثرة في جزيرة الموزمبيق. (Ilha de moçambique)

رقصة طاهورا (Tahura)
هي الرقصة التقليدية لمنطقة "مونتبويش" الشمالية، يؤديها كل من الرجال والنساء البالغين والكبار في السن، وهم يرتدون قماشاً أسود مع تنورة وقميص داخلي ووشاح أبيض وحزام، حاملين الفؤوس والمعاول أو العصي في أيديهم. تُمارس هذه الرقصة ليلاً، في مراسم الجنازة، وطقوس البدء، ولا سيما في فترة الحصاد لشكر الأرواح على تقديم هذا الإنجاز. وفي لغة الـ"ماكووا"، وهي لغة البلد المحلية، تعني كلمة طاهورا: "الطبول الكبيرة".


رقصة تشيغوبو (xigubo)
إنها رقصة موزمبيقية تقليدية وتمثل المقاومة الاستعمارية للبلاد وخاصة في المنطقة الجنوبية وأحياء "غازا" "مابوتو" الداخلية. أما في المدن، فلا يمارسها إلا القليل.
تتكون رقصة Xigubo من اصطفاف عدد معين من الرجال، في صف واحد أو صفين، مزينين بالألياف والفراء، ويرتدون تنانير مصنوعة من جلود الحيوانات، مصحوبة بأدوات للدفاع تعرف بالأزاغيا "Azagaia ". وفي نهايات الخط الذي يصنعه الراقصون، عادة ما يكون هناك راقصان يواجهان بعضهما البعض. تمارس هذه الرقصة حتى اليوم، بعض العائلات احتفالا بالعديد من المناسبات، لا سيما بعودة الأبناء المغتربين إلى وطنهم.


رقصة نياو (Nhau)
هي تحفة فنية ذكورية من التراث الموزمبيقي الشفهي ومن تراث بعض الدول المجاورة مثل "زامبيا" و"مالاوي"، وتسمى أيضاً: "رقصة الألغاز". تعتبر ال-"نياو" من ثقافات سكان محافظة Tete تحديداً، وتتطلب الكثير من الليونة وخفة الحركة، ويتحتم على الراقصين تغطية وجوههم بريش الدجاج او بجلود حيوانات اخرى، ويرتدي بعضعهم أقمشة مصنوعة من قطع من الحقائب وألياف الأشجار وريش النسور والنعام، اما البعض الآخر، فيبقون عراة وأجسادهم مغطاة بالطين الرمادي والأحمر او الأبيض.
يربط بعض المؤرخين بروز هذا النوع من الرقص، مع تشكيل دولة Undi، خلال القرن السابع عشر، وأنه تم تبنيه كوسيلة لإظهار سلطتها على الشعوب المحتلة.
أما المدير Damaio Coelho المولود في محافظة Tete، فيقول ان هذه الرقصة نشأت لتكريم آلهة أبناء هذه المنطقة، وعلى الرغم من ان بعض الدول المجاورة تشارك فيها، إلا ان "نهاو" لديها المراجع التاريخية الأقوى في الموزمبيق.
ويعتبر استهلاك بعض الراقصين بشكل مفرط للعقاقير المدخنة، ممارسة طبيعية جدا أثناء تأديتها. ويقول "كويلو": "يدخنون كل شي، حتى المخدرات، فلا أحد سيكشف السر لأنه فم في الداخل وليس فماً في الخارج".


رقصة التمادوني (Tamadune)
هي رقصة نسائية لا يشارك فيها الرجال إلا كعازفين، واطلق عليها هذا الإسم تكريماً لامرأة من الماكونديز، كانت تسمى "تمادوني" وكانت من أهم المشاركين والمؤسسين لبعض المجموعات الثقافية قديماً. تمارس هذه الرقصة في أيام الأعياد ولإستقبال البالغين الجدد، من الأولاد والبنات منهم، ولا يوجد اي زي خاص يفرض على الراقصات. ولتقديم هذه اللوحة الراقصة، يشكلن دائرة، ويرقصن كل اثنتين معا في منتصفها مع استخدام الـ"Batuques"، وهي أدوات موسيقية بدائية، مصنوعة على اليد، من الخشب، في نصفها حفرة مغلفة بجلد حيواني. (وترافق أغلبية الرقصات).
تؤرخ بعض الأغاني التي تصحب التمادوني، لعدد من الاحداث والحقائق المجتمعية المهمة المتعلقة بنضال التحرير الوطني، مثل مذبحة "مويدا"، آخر حلقات مقاومة موزمبيق للهيمنة الاستعمارية.

لا شكّ ان التراث الموسيقي والفنّي للموزمبيق حافلٌ بكثير مما لا نعرفه بعد، مثل دول عديدة في القارة السمراء، ولا سيما فيما يتعلق بمراحل تطوّر الموسيقى وأدواتها وتاريخها الحقيقي. وهو تراث متأصل في الثقافة الموسيقية الأفريقية التي تعكس الرقصات بأنواعها العديدة أهمّ وجوهها التي تظهر بها إلى العالم. في عالم شرس لا يرحم الضعفاء ويفتقر للسلام، كان الرقص ولا يزال مصدرًا له، في القارة السمراء.

قال رئيس جنوب افريقيا الأسبق "نيلسون مانديلا" يومًا: "الموسيقى والرقص، يجعلونني أعيش في سلام مع العالم ومع نفسي".
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها

الكاتب

مقالات أخرى للكاتب