الإثنين 2018/04/09

آخر تحديث: 12:53 (بيروت)

الترفيه بالإنتخاب

الإثنين 2018/04/09
الترفيه بالإنتخاب
يصير الانتخاب فعلاً ترفيهياً، حيث التصويت يعادل التفرج
increase حجم الخط decrease
قبل أن تطرح لائحة "كلنا وطني" استفهام "شو عاملين بستة أيار؟" على المواطنين في رجاء ترشحها، أي دائرة بيروت الأولى، تخبرهم أن "في شي رح يتغير".

تلتبس قراءة عبارات اللائحة، التي تتضمن الخبر والإستفهام، بحيث تظهر كأنها تفيد بالآتي: أيها المواطنون، هناك شيء سيحدث، وإذا كنتم غير منشغلين في يوم السادس من أيار، ترقبوه.

على هذا النحو، يبدو الشيء، الذي سيحدث، أنه سيحدث بمعزل عنهم، كما يبدو أنهم، وبالفعل نفسه، مدعوين إلى التعرف عليه. فلن يشارك هؤلاء المواطنين في الإستحقاق الإنتخابي سوى من خلال انتظار حصوله ومتابعة حصوله هذا أمامهم. من الممكن تخيلهم متحينين الشيء الذي سيتغير، ومستفهمين عن ساعة التعرف عليه: متى سيصير مكشوفاً؟ وذلك، بلا أن يكونوا فاعلين فيه، إذ لا يصنعونه، بل يستقبلونه فقط. فأن ينتخبوا يعني، بدايةً، حصول ذلك الشيء بعيداً عنهم، ونهايةً، ملاحقتهم التغير الذي سيؤدي إليه، وهذا، لا يستلزم منهم الكثير من الجهد، جهد القرار، أو جهد حيرته، بل التحلي بالصبر وطول البال لمعرفة ما هو الشيء الذي سيكون موضوع التغيير.

في إثر عبارات اللائحة، أو ملصقها، يصير الناخبون جالسين مع بعضهم البعض في مكان واحد، وخلال وقت واحد، ويتابعون الـ"الشي يلي رح يتغير". لا يمكن الجزم إن كان هذا الـ"شي" يتضمنه عرض فيلمي أو مسلسلاتي، لكنه، على الأغلب، فيلم متسلسل أو مسلسل من حلقة واحدة، كما أنه، وفي الحالتين، سيكون برنامجاً معداً للتفرج عليه. "شو عاملين بستة أيار؟"، إذا حل اليوم عطلة، "تعالوا نتفرج على الشي الذي يتغير سوياً"، فهكذا، يصير الانتخاب فعلاً ترفيهياً، حيث التصويت يعادل التفرج، وحيث الإنتهاء من التصويت يعادل المزيد من التفرج الذي يحض التشويق عليه: قليل من الوقت، وسيجري الكشف عن المتغير!

محت لائحة "كلنا وطني" حرف "ما" خلف "في شي رح يتغير"، إلا أنه، وبحسب منطق عباراتها، ليس السؤال إن كان "في شي رح يتغير" أم "ما في شي رح يتغير". ففي الجهتين، جهة التغيّر أو عدمه، ذلك الشيء سيتغير ولن يتغير سوى كموضوع لتفرج المتابعين خلال الجلسة التي تجمعهم أمامه. "في شي رح يتغير" و"ما في شي رح يتغير"، الوضعان متطابقان بالإنطلاق من كونهما ليسا في متناول الناخبين، ليسا من صناعتهم، فحين يذهبوا إلى الإنتخاب، يمضون إلى متابعة ذلك الـ"شي"، الذي إن تغير أو "ما تغير" سيبقى معروضاً عليهم، وإن أرادوا أن يشعروا بالإنخراط فيه، أو في إنتاجه، لا بد أن يرتدوا نظارات الـ3d، وعندها، يغدو الإستحقاق ثلاثي الأبعاد: البعد الأول، صور المرشحين وكلامهم، البعد الثاني، الصندوق، البعد الثالث، الشيء.

ومن هنا، الإنتخاب يعني الإستماع والتصويت والمقاطعة وانتظار المتغير، هذا، بحسب بيانه البصري، أما، في ممارسته الواقعية، فليس سوى تفرجاً على الذي يدور في الأمام، وعلى الذي انتظم على أساس قانون وضعته القوى التي تسيطر عليه، وحسمت نتيجة جلبته لصالحها. الإنتخاب، بالتصويت أو بالمقاطعة، ضرب من الترفيه التفرجي، على هذا الشكل، تبينه "كلنا وطني"، ومعها كل اللوائح، وهي تصيب بذلك، تصيب، ولو أنها عنت بعباراتها العكس.

وحين يصير الإنتخاب على هذه الحال، فهذه إشارة إلى أنه مفرغ من السياسة، مفرغ من رمزيتها، وبالتالي، من مفعولها، ما يجعله كناية عن مناسبة للاحتفال بكل شيء سوى بحياتها. وهذا ما يشبه العيد، الذي يفقد مضمونه الرمزي، ويحافظ على جلبته فقط. فعلياً، شعار الانتخابات المقبلة قريب من "هذا جونا، هذا نحن!"، فليس مهماً أن يكون الاستحقاق سياسياً، "المهم الجمعة"، هذا ما نردده حين لا يوجد مبتغى مشترك من الإحتفال.
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها