الجمعة 2018/04/20

آخر تحديث: 13:21 (بيروت)

يجب التصويت للمفقودين

الجمعة 2018/04/20
يجب التصويت للمفقودين
ننتخب المفقودين لأننا جميعنا من عداد المفقودين (علي علوش)
increase حجم الخط decrease
ثمة صور معلقة في شوارع وطرقات بيروت، يبرز فيها مفقودو الحرب الأهلية اللبنانية بمظهر المرشحين إلى الانتخابات، داعيةً إيانا، نحن، إلى التصويت لهم. تندرج هذه الصور في الحملة المستمرة للمطالبة بقوننة الكشف عن مصير هؤلاء، وذلك، من أجل استكمال جنازاتهم، ومن أجل الإنتهاء من الحسرة على إثر تغييبهم القسري. لكن، وقريباً من الغاية المعلنة لهذه الصور، تبدو دعوتها إلى الإقتراع لكل مفقود بمثابة الفعل السياسي الأوحد، الذي يحضر خلال جلبة الإستحقاق البرلماني. إذ إن التصويت للمفقودين يعني جعلهم نواب الأمة، أي تحويلهم إلى ممثلي المواطنين في المجلس النيابي، حيث يطالبون بحقوقهم، ويحضون على "معيّرتها"، أو على تنفيذها. بالتالي، يعمد المفقودون إلى التحدث عوضاً عن الموجودين بهدف الوقوف على شؤونهم وتسييرها.

ليس انتخاب المفقودين مجرد تذكير بهم، بل إنه إشارة قاطعة إلى واقع البلاد. فمن سيذهب من المواطنين للتصويت لأي مفقود، سيعلن عندها أن هذا المفقود هو الذي يمثله، وفي النتيجة، أن المفقود ذاته هو الأكثر تعبيراً عن وجوده في ظل النظام الذي ينتجه ويضبطه. سيقول ذلك المواطن، أو المصوِّت: "المفقود يمثلني"، وهذا يحمل على الإعتقاد بأن المفقود والمقترع له يشتركان في أمر ما، إلا أن الأول يتمكن منه أكثر من الثاني، أو يبديه أكثر من الثاني. ما هذا الأمر سوى الفقد، بحيث أن المفقود "ينمذجه" أكثر من الموجود، من المواطن-المصوِّت، الذي ينطوي عليه، لكنه، لا يقدر على إيضاحه: "المفقود يمثلني، لأنني مفقود أيضاً، لكنني، غير قادر مثله على إبانة ذلك بطريقة مباشرة وتامة".

المفقودون يمثلون المواطنين، يمثلون المقترعين وغير المقترعين لهم، بحيث أنهم يتحلون بالشجاعة ليصرحوا بحقيقتهم، بحقيقة "الكل". المفقودون شجعان، لا يتنكرون لغيابهم المحسوم، يعلنوه بدون خوف، ويثبتوه بلا إنكار. لا يمضون أيامهم في التستر على غيابهم في نظام متحلل، ولا يمضون أيام في التفتيش عن سبل لحجز سلطة لهم داخل النظام نفسه، ولا يمضون وقتهم في التعثر عند محاولة تغييره، أو محاولة النجاة منه. المفقودون يتسمون بالجسارة، إذ إنهم لا يتوقفون عن التأكيد على كونهم في مكان آخر، أي في لب كل الأمكنة، وعلى كونهم في وقت آخر، أي في لب كل الأوقات.

عند التصويت للمفقودين، سيكون ذلك بمثابة تكليل لمعنى فقدانهم، فبتسجيل أسمائهم على اللوائح، ووضعها في الصناديق، سيجري الجزم في أنهم ذروة الوجود في البلاد، وفي أنهم كلمته الدامغة: لا أحد موجوداً، الكل مفقود. على هذا المنوال، الإنطلاق من كون الجميع مفقودين، من كوننا جميعنا مفقودين، يعني، بدايةً، أن الطريق إلى تمثيلنا يجب أن يؤدي إلى إيجادنا، وليس إلى إستحضارنا كـ"شعب" وكـ"أناس" وكأصحاب "هاجس" طائفي، أو على أساس أي دعاية قادرة علينا، ومن ثم معاودة "استغيابنا" طوال أربع سنوات على الأقل. مسألة التمثيل ليست مسألة إستحضار واستغياب، ليست مسألة "كونوا موجودين للحظة واحدة، صوتوا واختفوا"، ولكن، عندما تستوي على ذلك، تصير في حاجة إلى المرور في سلبها الواضح، في كونها لا تؤدي سوى إلى نفي موضوعها، أي نفي كل الساكنين في البلاد. لهذا، التصويت للمفقودين هو، وغير الإقرار بأنهم ذروة الوجود هنا، توقيف للتمثيل من أجل إعادة تشغيله جيداً، من أجل جعله مسيراً، وليس معيقاً.

إذ إن التصويت لهؤلاء المفقودين يبين أن التمثيل الحالي، فعلياً، هو سبيل إلى التغييب، وبالتالي، لا بد من بناء غيره، يكون طريقاً إلى "الإنوجاد": ننتخب المفقودين لأننا جميعنا من عداد المفقودين، ومن بعد ذلك، لزام البحث عن تمثيل يجعلنا، وإياهم، من الموجودين. لا تمثيل يقوم بنفي مفقوديه، بل أنه يبدأ معهم، ويقلع منهم، غير ذلك، لن يوجد أحد ليعزيهم، ليواسيهم في مصاب خسارتهم لنا.
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها