الأربعاء 2018/04/18

آخر تحديث: 11:54 (بيروت)

"يوم ببيروت": الفيلم اللبناني بصيغة "دعه يهبط، علّه يجذب"

الأربعاء 2018/04/18
"يوم ببيروت": الفيلم اللبناني بصيغة "دعه يهبط، علّه يجذب"
لم يستطع فيلم نديم تابت سوى أن يكون تظهيراً لذلك التصور المدرسي
increase حجم الخط decrease
استوى فيلم "يوم ببيروت" لنديم تابت على تصور مدرسي عن مرحلة الشباب، يختصرها بعنوان تلك القطعة الغنائية، الرقصية، التي أصدرتها فرقة d-devils في العام 2001: *sex, drugs, and house. إذ إن المنتمين إلى تلك المرحلة، مايا وطارق وياسمينا ورامي، وهم أبطال الشريط (لا ذكر لأسماء الممثلين، الذين كان أداؤهم مكيناً، عن عمد)، لا ينشغلون سوى بهذه العناصر الثلاثة، وهذا الإنشغال هو أقرب إلى الهوس، كما لو أنهم، وطوال وقتهم، كانوا تحت أمرها أو أمر البحث عنها. بالتالي، تحول وقتهم، الذي من المفترض أن يكون 24 ساعة، أي يوم كامل من عيشهم، إلى ما يشبه لحظة واحدة، متكررة، ومقفلة، تنتهي حيث تبدأ، ينشبون فيها بعد أن يجدوا طريقهم نحوها ممهد وسهل المنال. في النتيجة، هؤلاء غير ضائعين، يبارحون أوضاعهم، كأبناء أو تلاميذ مثلاً، إلى أخرى، يلوح شيء مجهول فيها، بل، على العكس تماماً، مدركين لمقاصدهم، وخاضعين لها أيضاً، حين يتوجهون إليها من مواقعهم التي، وفعلياً، يبقون فيها.



لم يستطع فيلم تابت سوى أن يكون تظهيراً لذلك التصور المدرسي، الذي يمتلئ بكليشيهات الجنس والمخدرات، بوصفهما موضوعا استهلاكياً فقط، وفقط لا غير، وهذه أكبر إساءة لكل جنس ولكل مخدر. من هنا، جاء الفيلم بصيغة ممجوجة في السينما اللبنانية، صيغة "دعه يهبط، علّه يجذب"، ولهذا، استند إلى مشهدة العري الجسدي، الذي حل، وفي أغلب أحيانه، بلا طائل، وإلى مشهدة اللفظ الشتائمي، الذي صار، ومنذ زمن، شأناً ثقيلاً في الأفلام، وإلى مشهدة "وضع البلد"، وذلك، على عادة إخراجية محلية مضحكة، وهي عرض نشرة الأخبار للكلام عن السياسة. وطبعاً، ومن أجل إقرار الفيلم على صيغته، لا بدّ من جعله راهناً عبر إستحضار "داعش" وخطرها الحدودي، وطبعاً، اللاجئ السوري، الذي ينقل الأسلحة من سيارته، بعد أن يجامع الفتاة العذراء اللبنانية، التي، وحين تكتشف "سره" فجأةً، تفترق عنه كأنه لم يكن البتة. وإلى هذه "المشهدات"، التي حشت الفيلم لتشير إلى شكله المديني "المتحرر" من "عادات وتقاليد المجتمع"، كان لازماً إضافة مشهدة فنية، موسيقية على وجه الدقة، عبر استدعاء الروك باعتباره حالة اعتراضية أيضاً.

دار الفيلم بوقائعه عابراً بين كونه دعاية قصيرة لمشروب طاقة، ومقطع من مسلسل لبناني، قريب في جوّه من الجو الجامع بين عمليّ "من أحلى بيوت راس بيروت" و"وين كنتي"، ومقطع من film d'ado درجة عاشرة، بحيث أن مشهد تعليم الرقص هو مشهده النموذجي، ومقطع فيديوكليبي، هو فعلياً شبيه بفيديو كليب الرفيقة ميريام فارس الأخير. كل هذا، ترك الفيلم يسير على نحو بعينه، السينمائية فيه هي مجرد استعراض مظهري، لا ينم عن حركة في المعنى،  الذي ظل متجمداً، والدليل على ذلك، هو إمكانية تقصير الفيلم، تقليل مشاهده، أو بالأحرى إيجازها، بدون أن يؤدي هذا إلى أي خلل فيه، لأنه، وببساطة، لا جسم متماسك له لكي يصيبه الخلل. وهذا، في الواقع، أبداه الفيلم حين كان يصل إلى طريق مسدودة في قصته، فيقفز فوقها، ويكمل، وعندما واظب على ذلك، عاد إلى نقطة إنطلاقه.



من المؤسف أن الفيلم رجع، وبعد "يومـ"ه، إلى بدايته، إلى شباك مركز المعالجة من الإدمان على المخدرات. من المؤسف أن الفيلم، وبعد "يومـ"ه، لم يكن له غد، لأنه محبوس في أمس من وهم. من المؤسف أن الفيلم، وبعد "يوم" من الهيئة الـ"تحررية"، كان، في خلاصته، محافظاً للغاية، نعم، محافظ وغليظ أيضاً، ولهذا السبب بالذات، حضر الأهل فيه كصوت، أي كسلطةٍ، لا يمكن التقاطها ولا تعيينها، بحيث أنها في أولادها، الذين لا يسمعون غيرها، حتى عندما يعزفون على الغيتار والدرامز وينقرون جلودهم بالإبر. ومن المؤسف أن الفيلم متهم، ومن قبل حراس النظام الاجتماعي الإستبدادي الآفل، بالتشجيع على "الشواذ"، وذلك، في حين أنه لا يشجع سوى على إعادة تكريس لنظامهم، أي أنه يسدي أفضل خدمة لهم: جعل الشباب مجرد خرافة، وليس طريقة.

*يصلح أن يكون هذا عنوان الفيلم أكثر منه عنواناً لأغنية "بينك فلويد": one of these days.
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها