الأربعاء 2018/02/21

آخر تحديث: 11:30 (بيروت)

كيف تُضحك الكوميديا اللبنانية جمهورها؟

الأربعاء 2018/02/21
كيف تُضحك الكوميديا اللبنانية جمهورها؟
يُصوَّب التحقير إلى الجميع، مع تركيز الحصة الأكبر منه، وبوضوح، ضد النساء
increase حجم الخط decrease
لا يمكن للمشاهد أن يذهب لمشاهدة فيلم "ساعة ونص" (لنديم مهنا كمخرج، وكلوديا مارشيليان كسيناريست) من دون أن يحدد مهمة ما من فعله هذا. ففي حال لم يفعل، مقرراً الترويح عن نفسه فقط، ستعذبه المشاهدة، سيقاسي الملل، وسرعان ما سيغادر، متأكداً من الأكيد: أن السينما في لبنان قطعت أشواطاً في تعاستها.

إذاً، المهمة ضرورية لتحمل الفيلم، وهي تدور حول الاستفهام عنه، بوصفه مثالاً عن كيفية شائعة، وشائعة جداً، لفبركة الكوميديا اللبنانية، التي يبثها القيمون عليها من الشاشة الصغيرة إلى الشاشة الكبيرة، وبينهما الخشبة المسرحية واليومية أيضاً: كيف يعمد معمل الهزل المحلي إلى إضحاك جمهوره، الذي، ومن جهته، لا يخذله، بل العكس تماماً. يقهقه على كل ما يقدمه له، في حين أن غالبية ما يقدم لا يثير أي نوع من الضحك؟

تتطلب تلك الكيفية -والحديث هنا دائماً يستند إلى "ساعة ونص" رغم إمكانية رفده بالكثير من الأعمال المشابهة له- صناعة موقف، وشخصية داخله، ليتمحور حول ملفوظ أو فعل، غايتهما الوحيدة هي التعبير عن إزدراء النفس، أو الغير، أو أي شيء. عباس شاهين (في دوره واسمه وتمثيله التلفزيوني المعتاد) يذم نفسه عبر الندم على ضياعه المتواصل. خطيبته ريما (تاتيانا مرعب بتمثيل مخاصم للتمثيل) تشاركه الذم، بالتوبيخ والصفح والثناء. وفي طريقهما من المنزل إلى السفارة الكندية للحصول على فيزا، تصادفهما كل الأوضاع، أو بالأحرى كلشيهاتها، التي تعني أن المواطن ومحيطه الضيق، والواسع، ليسا بخير على الإطلاق.

وهما، ولما يتفاعلان معها، فبالمنطق إياه، أي منطق التحقير، الذي، وإذا لم يكونا موضوعه، تكونه الجدَّة باعتبارها شبه صماء، أو تكونه نساء مسنّات، أو تكونه امرأة ثرثارة، أو يكونه شاب مثلي الجنس، أو تكونه الجالية السريلانكية، أو يكونه المتظاهر الذي يعترض على حالته. بالتالي، ومنهما، من شاهين وريما، إلى كل هؤلاء، وغيرهم، يُصوَّب التحقير إلى الجميع، مع تركيز الحصة الأكبر منه، وبوضوح، ضد النساء. في النتيجة، يستحيل العيش بمجمله مذموماً، ودنيئاً، ولا سبيل إلى معالجته. وذلك لسبب رئيس، وهو اختصاره في النشاكل التي لا تمتّ إلى مشاكله الواقعية بصلة. كما أنها، في الحقيقة، لا يدعو حصولها إلى هجرانه، إلا إذا كان المتعرض لها، وهو ذاته المنخرط فيها، هش للغاية إلى درجة تحوله إلى شخص شبه ذهاني، كأن تواجهه زحمة سير، فيقرر الهجرة.


هكذا، ينطوي الموقف وشخصياته على أمر محدد، وهو جعل العيش، بأصله وفصله، عيشاً بائساً، ينتج أناساً مغفلين بالحد الأدنى، وبلهاء بالحد الأقصى، ولا يزاولونه سوى لإثبات خضوعهم، وإخضاعهم بعضهم لبعض. وهذا الموقف، ولما يبغي إثارة الضحك، لا يثيره سوى على منواله، ليكون جزءاً منه، ليكون مطابقاً له، أي كتعبير عن الإستهانة بالعيش بعد تحويل بؤسه إلى خلاصته اللازمة، أكان داخل الفيلم، أو خارجه. وبين الإثنين، ما يسمى فقرة الـ"bloopers"، التي تظهر أخطاء الممثلين. فتحضر هذه الفقرة لإعلان أن الممثلين أيضاً يسخرون من ذواتهم لأنهم لا يقدرون على تمثيل البؤس: كم أن تمثيلنا للبؤس بائس، يا لنا من بؤساء في أثناء التمثيل وفي أثناء تعطيلنا له!

يبدي "ساعة ونص" العيش كعيش ذليل، ويطالب جمهوره بالضحك عليه، بتحقيره، بالإستهانة به. تالياً، يُضحك المتفرجين لكي ينغصهم، الأمر الذي لا ينقطع عن انقلاب الفيلم، وفي لحظات دورانه على لازمة "كل شيء سيئ، كل شيء حقير"، إلى فيلم تراجيدي، بحيث يكشف عن شقائه، الذي جهد في نقله إليهم، وفي حسبانه، أنه سيحضهم على البكاء. الجمهور، الذي تنتجه الكوميديا اللبنانية، يمتلئ بالحزن في أثناء ضحكه، أي أنه يضحك لتبديد الضحك، ولتوطيد البؤس. في كل الأحوال، "ساعة ونص" اقترح حلاً على جمهوره، اقترح عليه منفذاً للإنصراف من عيشه البائس، وهو جعله عيشاً مديناً، عيش بالإقتراض. فلا يوقف شاهين وريما آلة التحقير، التي شغلاها طوال الفيلم، سوى عند دخولهما إلى البنك، وجلوسهما أمام موظفته لتشرح لهم كيفية الحصول على قرض. هذا هو الحل: التغير من بؤساء إلى مدينين، أي تغيير الحزن إلى ذنب.
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها