يحتوي "نار من نار" تعليقاً انتقادياً على لسان فادي أبي سمرا (وليد، إيلي من تأدية رودريغ سليمان على الشاشة). إذ إنه، ولما يأتي إلى السهرة التي يدعوه إليها صديقه المخرج وجدي معوض (أندريه، محمد من تأدية رامي نيحاوي على الشاشة)، يخبره عن رأيه في فيلمه، الذي يتناول قصتهما في الحرب، والذي شاهده للتو، يقول له إنه سيء، وسبب ذلك هو أنه ينطوي على كثير من الكليشيهات.
رأي أبي سمرا سديد، وهو لا يطاول الفيلم، الذي شاهده، "نار"، بل الذي مثل فيه أيضاً، "نار من نار"، والذي يدرج احتواء لانتقاده في سياق الحيرة الفنية إياها. فهذا الفيلم، وفي حال وضع تشكيله "التوهاني" جانباً، لا يبقى منه سوى الكليشيهات، التي تحدث أبي سمرا عنها، والتي من الممكن رفدها بغيرها: حوارات تدعي النطق بمغزى، إلا أنها بعيدة عنه حتى لو وارت ذلك خلف لازمة "متل ما حبيتني مبارح كتير انبسطت بس بعدين ما قدرت نام، طلعت عبالي بس ما استرجيت وعيك"، تمثيل متوتر ينعطف على تكلم ثقيل وعلى إيماء مسرحي، كما في وضع معوض. مع الإشارة إلى تمكن نيحاوي وأبي سمرا ونصري الصايغ من شخصياتهم، موسيقى تشويقية متماسكة (زاد ملتقى)، لكنها، وفي كثير من الأحيان، بلا داعٍ من جراء التباين بينها وبين المشاهد، الكلام عن تجاوز المحرمات. وكل هذه الكليشيهات، لا تزيلها المتاهة، لكنها، تسمح لهاشم أن يقول إنها لا صلة لها بفيلمه، لأنها فيلم "أندريه ملاط".
عندما يتحدث هاشم عن جمهور المتلقين، يقول إنه يريد إشعارهم بأن الفيلم هو فيلمهم، بحيث يشاهدونه كأنه يستولي عليهم، فيذهبون إلى فهمه كأنهم يحلون لغزاً. لكن، فيلمه مغلق على متاهته، مغلق بالكامل. ومشاهدته لا تطرح على فاعلها أي لغز، بل تشير إلى أن صناعة هذا اللغز متعذرة، إلى درجة أنها لا تنتجه كحزورة حتّى. لقد تاه فيلم جورج هاشم من بغية واحدة، وهي التلطي على كونه فيلماً محتاراً. على أن لحظة المتاهة في الفن هي عادةً لحظة تسجيل ضائقة، وهي، في السينما اللبنانية، ضائقة فعلية ومتفاقمة، لكن، التعامل معها بتقليد الإفراط في الأفلمة، لا يؤدي سوى إلى إخراج فيلم مسدود.
اشترك معنا في نشرة المدن الدورية لتبقى على اتصال دائم بالحدث
التعليقات
التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها