الثلاثاء 2017/07/18

آخر تحديث: 12:07 (بيروت)

المقبل على شكل مجزرة

الثلاثاء 2017/07/18
المقبل على شكل مجزرة
أين مكروهي الذي عرف بي كجسم واحد؟"
increase حجم الخط decrease
بمقدور جمهور السلطات اللبنانية ان يمضي في صب جام عنصريته على اللاجئين السوريين، بمقدوره أن يحقق دعوتهم إلى ترحيلهم، لكن، ما لا يستطيع هذا الجمهور فعله هو تجنبه لحقيقة بعينها: نفي اللاجئين السوريين من الوجود على أرضه، سيودي به إلى سرور سريع، ومن بعده، سيدخل في مسار محكوم بالتوهان والترنح، الذي سيطرح على اثره استفهام "من أنا؟".

فبعد انتاج الجمهور لتعريفه الذاتي بكرهه لـ"قديسي العراء"، وبعد تنفيذه لطردهم، سيختفي كارهوه، وبالتالي، ستسقط ذاته، ليغدو بلا تعريف. على أنه، وحين يفقد تعريفه، سينتقل الى البحث عن ثانٍ، ولن يجد سبيلاً الى بغيته هذه سوى أمر محدد، وهو الكره. فهذا الجمهور، وعلى عادة كل العنصريين، لا يتعلم من جولاته المتنوعة ضد من يعتقد بأنهم "غرباء" عنه الا التمسك بالكره أكثر، حتى يصير أساساً من أسس بقائه على قيد الحضور.

من أنا؟ سيستفهم الجمهور، وشيئاً فشيئاً، سيكتشف أن إلغاءه لوجود اللاجئين السوريين من أمامه هي خسارته الكبرى، ذلك، أنهم كانوا موضوع كرهه، وها هو قد تلاشى، بالتالي، لا بد من الوقوع عليه من جديد. سيصوب الجمهور كرهه في كل النواحي، سيطلقه على عواهنه، فأينما سيلوح المختلفون داخله، بينه، على حدوده، سيعمد الى معاقبتهم ومكافحتهم. لكنه، لن يقدم على هذا حيالهم مثلما كان يفعل سابقاً، قبل نفيه اللاجئين السوريين، بل إنه سيشن حربه عليهم بطريقة مضاعفة.

فسيكره الجمهور هؤلاء، مرةً لأنهم مختلفون، ومرةً، لأنهم ليسوا مكروهه القديم. سيكره النساء لأنهم نساء، ولأنهم ليسوا اللاجئين السوريين، سيكره المثليين لأنهم مثليون، ولأنهم ليسوا اللاجئين السوريين، سيكره نزلاء الطبقات المتدنية لأنهم على هذا الوضع، ولأنهم ليسوا اللاجئين السوريين، سيكره العاملات والعمال الأجانب لأنهم عاملات وعمال أجانب، ولأنهم ليسوا اللاجئين السوريين. سيكره كل هؤلاء وغيرهم على هذا النحو، لأنه، عندها، يكون في صدد اعلان كرهه لهم، وفي صدد إنشاد مكروهه المفقود عبر قمعهم.

يفيد استفهام "من أنا؟"، الذي يطرحه الجمهور، بـ"أين مكروهي الذي عرف بي كجسم واحد؟"، وحين لن يجده في أي مختلف، سيزيد من إفراز الكره، وهذا، على اعتقاد بأنه، وكلما أفرط فيه، قد ينتج موضوعه القديم. بعد ذلك، يغرق الجمهور في الكره، ويغدو أي طرف فيه مكروهاً محتملاً، مكروهاً مفترضاً، اذ إنه، وفي لحظة ما، وبحكم الضرورة، أو المصادفة، سيأتي بإختلافه، ما يحث محيطه، وهو عجلة من عجلات الجمهور، على جعله مكروهاً.

فربما، على كل شخص من شخوص الجمهور، الذي تحامل على اللاجئين السوريين الى درجة كتابته شعار "عنصري وأفتخر"، أن يختبر شيئاً ما، وهو إبانة إختلافه، ولو الطفيف، ولو المتعلق بشعور أو فكرة أو ذوق، في مجتمعه الضيق، أكان العائلة أو ثلة رفاقه، ويراقب كيف سيتحول وقتها الى مصدر تهديد. في النتيجة، واذا أطال الإبانة، سيجري تدجينه، وفي حال لم ينجح تدجينه، سيجري إبعاده. على كل عنصري أن يعرف أنه هو المكروه، وفي الأصل، لا يمكن أن يحمل نفسه على كره أي مختلف عنه الا لأنه مستسلم لكره محيطه له، مستسلم لإرادة هذا المحيط الذي يبغيه مطابقاً له. العنصري هو الذي كبح اختلافه، ولهذا، وهنا، خطورته، يرغب في أن يكون الجميع مماثلاً له: "ساذج وعديم القدرة"، على قول أحد الفلاسفة.

قد يفرح الجمهور بنفيه اللاجئين السوريين، لكنه، وبعد ذلك، سيعود غير مُعَرفاً، وسيعود الى الاتكاء على كرهه، على الإكثار منه، ليعرف ذاته سيستفهم "من أنا؟"، ويواصل طرح هذا الاستفهام الى أن يضحى تعريفه الذاتي مختزلاً بكونه الجمهور الكاره لكل شيء لا يلتزم بمشابهته. وهكذا، لا مبالغة في القول ان المقبل، مقبل البلاد وعبادها، ليس سوى كناية عن المزيد من الكره.

فماذا نفعل؟ لا خلاص أخيراً، ولا مخلص نهائياً، أينما كنا، علينا أن نقاوم!
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها