الإثنين 2017/06/19

آخر تحديث: 11:44 (بيروت)

"حفل الزفاف": تجربة ناجحة ومهمة منقوصة

الإثنين 2017/06/19
"حفل الزفاف": تجربة ناجحة ومهمة منقوصة
ذهبوا لإطلاق سراح العرس من صورته، وتخليصه كزفاف آخر
increase حجم الخط decrease
نجحت التجربة الثلاثية المشتركة بين الفنانين محمد عبدوني، وليليان شلالة، وحامد سنو في "بيروت آرت سنتر" ضمن حفل لدعم مهرجان "بيروت آند بيوند". فهؤلاء، وكل منهم بوسيطه، عرف كيف يتصل بغيره، لكي يصوغ معه عرضاً احتفالياً، يقوم على المفارقة. 

تمحور العرض، من ناحيته الصورية، حول الزفاف، الذي عمد عبدوني الى تركيبه بالانطلاق من شريط فيديو لعرس والديه في فندق "سامرلاند" العام 1988. أما من ناحيته الصوتية، فتمحور العرض حول موسيقى شلالة، التي اعتادت تأليفها بآلاتها، مميزةً اياها بضروب إيقاعية متلاحقة، تقع بين الهدوء المتقد والصخب المكهرب، مثلما هناك مغنى سنو، الذي يجمع بين التلفظ المغمور والتأوه الممتد.

بتلاقي الصورة والصوت، بدا المشهد كأنه ينصرف من مشهد سابق. لا شك أنه مشهد العرس نفسه، بما هو مناسبة مجتمعية، وقبل ذلك، بما هو قران أهلي. لكن عبدوني يحاول التلاعب به، عبر التقاط بعض مقاطعه، وتشكيل جملة أخرى منه، ولكي ينجز فعله هذا، يستعين بـ"تغطية صوتية"، وهي، بحسب ما تعلم بديهيات الكريلا بخصوص "التغطية النيرانية"، تدفعه الى القيام بمهمته معتقداً بأن سبيله الى مبتغاه محمي. تزوده شلالا بتلك التغطية، الا أنها لا تحمي سبيله فقط، لكنها، وبالموسيقى التي تلعبها، تجعل لمهمته جواً ساخناً، ما يحضه على الذهاب في التقاطه واقتطاعه وتشكيله لمشهد العرس من جديد بسرعة. عبدوني "يمنتج" العرس، موسيقى شلالا تغطيه، وتصنع جو صنيعه، هذا، في وقت يعبّر سنو بمغناه عما تنتجه تلك المهمة من أسى وحسرة.

فتأديته تسجل الموجود في عبدوني خلال تلاعبه بفيديو العرس، كما أنها، وبالفعل نفسه، تسجل الموجود في شخصيات ذلك الفيديو، أي الزوجين. لنقل أن مغنى سنو يسجل الكامن في العرس، والبائن في مهمة "منتجَةِ" العرس نفسه، وهو نوع محدد من الحزن، يفرزه خلل في تماسك الفرح، في تماسك صورته، التي، وعلى نمط فيديو VHS المتقادم، تتسم بكونها واسعة على معروضها، وبمعنى آخر، تمثيلها للشخوص فيها، وهما، هنا، العريس والعروس، فضفاض عليهما.

بالتالي، صورة الفرح واسعة، في حين أن الفرح فيها ضامر، ولا يتمثل في حجمه الفعلي، على الرغم من ضخامة قالب الحلوى، أو ضخامة زينة الزوجة، أو ضخامة شارب الزوج. مغنى سنو يسجل التفاوت بين صورة الفرح المتضخمة والفضفاضة، والفرح اياه، بوصفه ضئيلاً ولا تصوير يمثله. هذا التفاوت أودى بعبدوني الى اعادة تركيب العرس، وأودى بشلالا الى تغطيته، وبسنو الى تسجيل ما يعتريه خلال مهمته، وهو نفسه ما يعتري والديه اثناء زواجهما: فرح لا صورة له، ويحتاج الى تمثيل لحجمه، ولأنه على هذا الوضع، فهو، وفي أثناء تحقيق حاجته، يبعث على الحزن، الحزن من جراء ما فعل التصوير، بمعناه التقني والإجتماعي، به.

في هذا السياق، قد يصح الكلام عن مفارقة العرض الاحتفائي الذي أنتجه الثلاثي. ذلك، أنه ليس فرِحاً، وفي الوقت نفسه، هو ليس حزيناً بالكامل. إنه زفاف ينصرف من فيديو العرس، من فيديو القران الأهلي، ينصرف منه في مسعى لاستنتاج الفرح الضئيل منه، ولصناعته من جديد. العلاقة بين العرس والزفاف ليست تعارضية، ليست تناقضية، بل إن الفنانين ينتبهون الى المستور في الأول، ويحاولون تركيبه من جديد.

نجحوا في الاجتماع على هذه المهمة، لكن عرضهم، بوقته الضيق، لم يحمل المتفرجين الى نهاية واضحة. ذهب الثلاثة معاً في مهمة، استمعنا إليها وشاهدنا بدايتها التي دارت حول تعريتهم للعرس من صورته، وحول كونهم مشوبين بنوع من الحزن، الأسى والحسرة. فقد ذهبوا لتعرية الفرح من صورته العرسية التي لا تمثله، فاعتراهم حزنها. ذهبوا لإطلاق سراح العرس من صورته، وتخليصه كزفاف آخر، فأفلحوا في خلع الصورة عنه، لكنهم لم يخلصوه، لأنهم أصيبوا بشظاياها، ولأن الإحتفاء انتهى. 
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها