الخميس 2017/05/25

آخر تحديث: 12:11 (بيروت)

المصمّمة نتالي حرب لـ"المدن": صمت "المَسكَن" مقاومة

الخميس 2017/05/25
increase حجم الخط decrease
في معرض "بيروت ديزاين ويك"، تقدم الفنانة السينوغرافية والتجهييزية نتالي حرب عملها "المسكن" (the silent room)، وهو غرفة صامتة وهادئة، شبه عازلة لمحيطها، يدخلها الزائر منقطعاً عن خارجها. وقد رفعت حرب "مسكنها"، الذي عملت على تصميمه وتشييده برفقة عدد من المهندسين، عدا عن الموسيقي خالد ياسين، في محلة مار مخايل-النهر، في نهايتها تحديداً، حيث يقع مشتل الزهور.

عن "المسكن"، الصمت، وغيرهما، هنا مقابلة لـ"المدن" مع نتالي حرب، والتي يمكن التفرّج على تفاصيل "مسكنها" بالنقر هنا.


- ما كان دافعك إلى "المسكن"؟

* لطالما اعتقدت بأننا في حاجة إلى مكان صامت في بيروت، مكان صامت وعام، ذلك، أن حواسنا هنا دائمة التعرض للإطاحة بها بفعل الضجيج والضغط، فضلاً عن التلوث. أعتقدت بهذا، لكنني، سرعان ما عدلت عن فكرتي، وتركت البلد، وفي ظني، أنني "يوتوبية" قليلاً، إلا أنني، لاحقاً، عدت، وقررت إنجاز "المسكن". تحدثت مع الموسيقي خالد ياسين، وقد ارتأى أن يسجل أصوات المدينة في أوقاتها الأكثر صمتاً، ثم، تحدثت مع مجموعة من المهندسين في لندن، وأحبوا الإقتراح، وهكذا، شرعنا في العمل، الذي أدرجه القيمون على "بيروت ديزاين ويك" في سياق إحتفائيتهم السنوية.

- عندما نقرأ توصيف "المسكن"، أو "الغرفة الصامتة"، يخيل إلينا أن المكتوب فيه صحيح افتراضاً، لكنه ليس راهناً، كأن العمل، بديباجته، لا يتناول بيروت الحالية، بل أخرى مقبلة...

* فكرة "المسكن" خطرت لي في بيروت، لكن الداعي إليها في هذه المدينة مختلف عن الداعي إليها في لندن مثلاً. فنحن نعيش، محلياً، في حربٍ، أسلحتها كناية عن معلومات، وتقنيات، وفورة إعلانية في الطرقات والشوارع...

- لكن "مجتمع المراقبة"، الذي تتحدثين عنه، وبعطفه على بيروت، ما زال في مطلعه، بالإضافة إلى كون أثره فينا غير أثره في بلدان أخرى.

* لدينا كل آلياته، إنه مجتمع إستهلاكي بإمتياز، حيث الطبقة الوسطى تستهلك أكثر من قدرتها...

- وكيف تربطين هذا بالصمت؟

* إنه مقاومة لكل العنف اليومي الذي نتعرض له في هذا المجتمع، مثلما أن فضاءه هو فضاء يقينا من الإستعراض، ومن كوننا موضوع تعقب أو حراسة، أو كائنات مؤلفة بإفراط صوري، بالتالي، هو فضاء اختفاء، شبيه بالحمّام.

- بالتوازي، هناك حاجة، وغالباً ما تكون معلنة، إلى الصراخ...

*صحيح، من الممكن أن يكون "المسكن" فضاءً للصراخ، لإطلاق سراحنا من المشقة.

- أشرتِ في التوصيف إلى استهلاك الصمت من قبل الطبقة الغنية...

* فعلياً، هذه الطبقة تنفي الصمت بالصخب، وتعيد إنتاجه كسلعة، من الممكن استهلاكها عمرانياً، أو في أماكن بعينها، كما في محلات الـ"spa" مثلاً، لكنه، يبقى، في هذا السياق، محصوراً بفئة دون أخرى، وبالتالي، غير سانح لعموم الناس.

- ما المناطق البيروتية التي تعتبرين أنها في حاجة إلى تشييد "المسكن" فيها؟

* ربما، بدايةً، منطقة الدورة، بوصفها المنطقة التي ترتفع فيها نسبة الضجة، ثم في شارع الحمرا، وفي مار-مخايل النهر...

- أي أصوات تدور في قلب "المسكن"؟

* إنها أصوات بيروتية شبه متواصلة في ساعات السكون، كصوت الزيز، ومضخة المياه، والمولد الكهربائي، والعصافير، والجلبة العميقة، فهذه الأصوات تذكر الداخل إلى "المسكن" بأنه في مدينته، وبأن لجوءه إلى الصمت لا يعني ابتعاده عنها، وهذا ما يحيل إلى أحد معلمي "الزن"، الذي، وفي حين تأمل طلابه، يضربهم، بين وقت وآخر، بواسطة العصا، ليقول لهم بأن تأملهم لا يعني شرودهم وشططهم، بل أنهم في الـ"هنا والآن".

- في داخل "المسكن"، هناك فراش وعدد من الوسائد، لماذا؟

* لقد قررت في البداية ألا أضع فيه أي شيء، لكني عدت ووضعت الفراش والوسائد واللحاف، لأن كل هذه المتاع مصنوعة يدوياً، فمنظر هذه العناصر يشعرني بالراحة، فضلاً عن نوع من الطمأنينة، أما جدران "المسكن" فتحمل طبعة نسيجية أيضاً.

- إنها تدفعك إلى لمسها...

* تماماً، كأن زائر "المسكن"، وفي أثناء اتصاله بالصمت، يعين حدوده، ليولد من جديد، وبهذا هو قريب من الطفل، الذي يجري تمسيده من أجل تحديد مساحة جسده.

- الدخول إلى "المسكن"، يستلزم صعود سلم خشبي، فلماذا لم يأت تصميمه أرضياً؟

* لقد وجدت أن على "المسكن" أن يكون كالعرزال، عرزال مدني، الدخول اليه يتطلب الإرتفاع عن الأرض.

- وذلك، بعد خلع الحذاء...

* نعم، ومرد هذا، الحفاظ على صحية الأرجاء، والاعانة على الدخول في فضاء اللافعل واللاحركة، فنحن ننتعل الحذاء لكي ننتقل من حيز إلى آخر، وهذا ما لا نحتاج إليه في "المسكن"، حيث الوقت داخله عبارة عن وقفة، تساعد على التركيز، أو الإنفراد بالذات.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها