الإثنين 2017/05/22

آخر تحديث: 11:46 (بيروت)

الراقصة دانيا حمود وقد تلافت الإنحدار

الإثنين 2017/05/22
increase حجم الخط decrease
ارتاحت الراقصة المعاصرة دانيا حمود على المنحدر، ولكي تشرع في فعلها هذا، وهو عنوان عرضها الراقص (-crypteكنيسة مار يوسف)، هبطت في جسمها، وراحت تبسطه، متمددةً داخله على وتيرة قريبة من وتيرة النزع. إلا أنه ليس النزع الأخير، بل الأول، وبذلك، لا يمكن الحسم إن كانت، في إثره، تشرف على الموت، أو الولادة. 

بقيت حمود في لحظة النزع هذه، أدتها بالتشقق وبالتجمع، بحيث لم تول جسمها كل طوقه، فرقّته، قبل أن تذهب إلى تركيزه، بين حين وآخر، في عضوٍ دون غيره، ما يجعله ضيقاً وصلباً على حد سواء. إذ تأتي الحركة إلى كل عضو من جوف الجسم، من ضمنه، تخضه، لكنها، لا تترك له تلقاء، ينطلق منه، أو سواء، يسكن إليه، كما لو أنه أسيرها التواق إلى انعدامها.

فعلياً، جسم دانيا حمود، ومثلما أدته بأعضاء تضيق بالحركة بدلاً من أن تصرّفها، يبغي الهدوء، الذي لا يحققه، وفي الوقت إياه، لا ينكسر تحت معاكسه، أي المشقة. فهو جسم معلق بين الحالتين، حالة الهدوء المؤخر، وحالة المشقة الهامدة، ولذلك، بدا، وعلى مقالبه الكثيرة، واقعاً في خلائه، وهذا يعني أنه لا يستجيب إلى منبّهه على الفور، بل يتلفقه على سطحه، على جلده، وما أن يمضي إلى الرد له، حتى يهتز، ويتجمد في اليد، أو العنق، أو الجذع. فالحركة، التي من المفترض أنها رد على منبّه، لا تكتمل، تقتصر على شدةٍ كثيفة، كأن جسمها يمكث على طرفه، على حدّه، لكنه، لا يبارح خلاءه، وربما، لهذا السبب بالتحديد، هو في وقت راحة على منخفضٍ، لا يقع  سوى في داخله.

من هنا، يصير من السانح الإنتقال إلى جوار حمود، أي إلى الموسيقى، التي قدمها العازف الإرتجالي شريف صحناوي بغيتاره الإلكتروني، لترافق أداء الجسم وتبدله. إذ إن تلك الموسيقى، بوصفها مجموعاً صوتياً، كانت تعلن للجسم بأنها مؤثره أكثر مما تتفاعل معه، بيد أنها، وبدورها، تنزل في قربه، في محيطه، وفي بعض الأحيان، لا تلامسه أيضاً. أما، الجسم، فيتأرجح بين كونه على أهبتها، على وشكها، من ناحية، وكونه على بعدٍ منها، وعلى نأي منها، من ناحية أخرى. بالتالي، لم تبرز صلة الموسيقى بالجسم مباشرةً، بل تصاعدت شيئاً فشيئاً، وبلغت أقصاها في وقوف حمود، وفي ما يشبه درأها للحركة، التي تكمن في جسمها، وذلك، بالحركة، التي أحدثتها في خارجه، فعندها، ارتطمت بالصوت، وعندها، بدت كأنها لا تنزل من منحدرها، بل تُنزله عنها.

في حال كان شرط الحركة هو وجود قوة تحض الجسم من خارجه على الإنصراف من خلائه، فالموسيقى حاولت أن تكون تلك القوة، لكن الخلاء أمسك بالجسم، قبض عليه متسللاً منه، ولم يطلق سراحه. وقد استمر في هذا الوضع على جولات عدة، فمرةً، انسحبت الموسيقى، ومرةً، عادت وتدخلت، إلى أن ارتفعت، وما أن حصل ذلك، حتى قررت حمود أن تلقي بخلاء جسمها إلى قرارته، إلى قعره، محولةً الشدة، التي تكثفت فيه إلى سورةٍ بمعنى الوثبة: الإنقضاض على الخلاء، ودفعه من علو إلى أسفل، دحرجته، ودحره.

وهكذا، وبعدما نهضت حمود، وضغطت خلاءها، استطاعت أن تعيد إلى جسمها حركته المرتبطة بالمؤثر أو المنبّه، واستطاعت أن تطلع بتلك الحركة على جلدها، وليس من تحته فقط. وفي النتيجة، انتقلت بأدائها من كونه مأسوراً في منخفضه الجواني إلى كونه مأثوراً بالموسيقى البرانية. في تلك اللحظة، سمعت عزف صحناوي، دارت، وجلست إلى جانبه، فانتهى خطر التدهور والسقوط... فلعلّ ذلك يكون فاتحة للمزيد من الجهد والنشاط  بعد انقضاء الإستراحة، وإدارة الظهر للمنحدر.
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها