الثلاثاء 2017/04/11

آخر تحديث: 12:57 (بيروت)

أحمد ناجي: لا يهمني إعجاب القارئ..ولا كتابة بيدٍ مقطوعة

الثلاثاء 2017/04/11
أحمد ناجي: لا يهمني إعجاب القارئ..ولا كتابة بيدٍ مقطوعة
في السجن، كتبتُ أربعة فصول من روايتي الجديدة.. وهرّبتها بطريقتي
increase حجم الخط decrease
إن دافع السارد؛ روائيًا كان أو قاصًا، للشروع في كتابة نص ما؛ ليس حكاية مثيرة، بل امتلاكه لوجهة نظر سردية جديدة، يفرضها تغير أو تطور موقفه من الفن والحياة، وهي تشكل فكرة نصه، وتؤسس للغته، وتنتقي المناسب من الحكايات، والكاتب لا يفرغ من كتابة عمل بمجرد انتهاء أحداثه، وإنما لشعوره بتجاوز وجهة النظر تلك.

ولعل ذلك ما يفسر قول الروائي المصري أحمد ناجي، خلال حفلة إطلاق ومناقشة مجموعته القصصية الأحدث "لغز المهرجان المشطور": "زهقت من كتابتي، وشعرت أنني أتجاوز بإصدار المجموعة، عشر سنوات". فالكتاب الصادر مؤخراً عن دار ميريت بالقاهرة، يضم 13 نصًا قصصيًا، كتبت بين العامين 2006 و2015، ونشر العديد منها في مدونة ناجي الإلكترونية.

ولا يعكس التفاوت في المستوى بين النصوص، تطور قدرة ناجي الفنية والأسلوبية، بقدر ما يعكس مدى تبلور وجهة نظره تجاه نصه الأدبي بشكل عام، وهي وجهة النظر نفسها التي ربما شغلته خلال روايتيه الأوليين "روجرز" و"استخدام الحياة". فالتغير الواضح في لغة النصوص، المرتبة في غير تتابع زمني، لا يشير إلى تطور بلاغي بالمفهوم الكلاسيكي للبلاغة، بل إلى تطور قدرة الكاتب على صياغة نص يصنع بلاغته من مزجه للواقعي بالفانتازي وخلقه لإطار لغوي يتسع للغة "الشارع"، من دون أن يكسر الإيقاع السردي للنص، ويتجلى ذلك من خلال النص الأخير في المجموعة، والأحدث من حيث الكتابة، والذي حمل الكتاب عنوانه "لغز المهرجان المشطور".

ولا يبدو أحمد ناجي، في استخدامه التركيبات اللغوية للعامية المصرية داخل نصه، منحازًا لها على حساب الفصحى، أو منشغلًا بالمعركة الأدبية المنقرضة بين اللهجتين، وإنما ينصب اهتمامه الحقيقي في إظهار حيوية تلك اللغة، وترجمة أدائها الفعلي، والذي لا يتأتى إلا بنزع القدسية عنها، وهي القدسية التي تفرضها السلطة في سعيها إلى خلق صورة معينة للهوية، حسبما أوضح خلال الندوة التي استضافتها مكتبة المركز الثقافي الألماني "غوته" في القاهرة، وأدارها الباحث الحقوقي عمرو عزت.

ولا يعتبر ناجي نفسه رائدًا في ذلك، بل هو واحد من جيل "تحرر من المواربة في استخدام اللغة"، غير أن الكاتب الذي قضي عاماً في السجن بعد اتهامه بخدش الحياء العام، وما زال يواجه التهمة نفسها أمام محكمة النقض المصرية، لا يبدو منشغلاً بإخراج اللغة من قالبها الميت فحسب، وإنما بإخراج الأدب كذلك من قوالبه الجمالية الجامدة: "لا أرى أن الكتابة يجب أن تكون جميلة، فالقبح والكراهية جزء من تكويني، مثلما أحب فأنا أكره، ولذلك يجب أن تعبّر كتابتي عن ذلك... هناك نمط من القراء يضايقه ما أكتب، وأعترف أني أريد مضايقته، لأن سياق ما أكتبه يفرض ذلك".

ولا يرى ناجي أن ذلك يتعارض مع اهتمامه بمعرفة رأي القارئ في كتابته. على العكس، فهو يرغب في أن ينشأ بينه وبين قارئه المفترض حوار متكافئ، ويوضح: "أهتم بمن يقرأني، لكني غير مهتم بأن تعجب كتابتي القارئ، لست متعاليًا، ولا أرى نفسي صاحب رسالة واضحة، كل ما أريده هو أن ينشأ بيني وبين القارئ حوار، والأهم بالنسبة اليّ، ماهية ذلك الحوار، وأن يتناول السلبي والإيجابي في نصي، أما خطاب الإعجاب فهو حوار من طرف القارئ وحده". ويؤكد أنه "من دون خرق ذلك الحاجز لدى القارئ، بين ما يتوهمه وما هو واقع، فأنت تتحرك ككاتب بيد مقطوعة، في السينما مثلاً تجد أن صناع العمل يحشدون لغتهم البصرية، بكل ما هو عاطفي في مشاهد الميلودراما، بما قد يدفع المُشاهد للبكاء، فلماذا، وأنا كاتب، أتصدى لمشهد جنسي بالتخلي عن أدواتي اللغوية في تصوير ذلك المشهد؟ ولماذا قد أتخلى عن الألفاظ الصريحة التي تناسب وصف تلك المَشاهد؟".

وفي الوقت نفسه، يرى صاحب "استخدام الحياة"، أن روايته ليست رواية عن الجنس، ويقول إن "الجنس في روايتي شبحي، فاستخدام الألفاظ الجنسية هو غير الكتابة الجنسية، رواية استخدام الحياة تحكي عن القاهرة والحياة فيها، حسبما رأيت تلك الحياة"...

ولم يفت الحوار الذي تناول مسألة السجن وحيثيات الاتهام التي وجهت إلى الكاتب، التطرق إلى تأثير تلك الأزمة في أدبه، إذ كشف ناجي خلال إجابته على سؤال أحد الحاضرين، أنه شرع في كتابة رواية جديدة خلال فترة حبسه، موضحًا أنه أنجز منها أربعة فصول، لكنه واجه مشاكل عديدة أثناء الكتابة، التي بدأت بصعوبة الحصول على دفتر للتدوين، قائلاً: "واجهتُ مصاعب كثيرة لإدخال كشكول للكتابة، لكن أزمتي الكبرى كانت في إخراج ما كتبته إلى خارج أسوار السجن، في السجن قابلت رجلًا كان يدوّن مذكراته بشكل جنوني، إذ إنه يكتب كل ما جرى له في يومه لحظة بلحظة، حتى اجتمعت لديه عشرات الكراسات، وعندما جاء وقت الإفراج عنه، خيّرته السلطات الأمنية بين خروجه وبين قيامه بتمزيق ما كتب، لأنهم لا يستطيعون مصادرته، فذلك سيعرضهم للمساءلة القانونية؛ تلك الحادثة أقلقتني بشدة حول مصير ما كتبت، لذا لجأت إلى طريقة صعبة جدًا لإخراجه، ولا أريد الإفصاح عنها حاليًا".

وتدور أحداث الرواية التي يشتغل بها الروائي المصري، في القرن التاسع عشر، ويتخذ خلالها التاريخ ستارًا لتناول الوضع السياسي الراهن: "ربما يكون تفكيري في كتابة رواية تاريخية عن القرن التاسع عشر، هروباً من تناول الواقع السياسي الحالي بشكل مباشر". فناجي الذي بدأ التدوين الإلكتروني في العام 2005، يكتب، ولديه هاجس الخطوط الحُمر: "لا أتعداها ولا أفكر في تخطيها يومًا ما، حتى من قَبل القضية ومسألة السجن، وبالتحديد لا أكتب أي شيء يخص الدين أو السياسة، لدي مثلاً حلم بكتابة رواية سياسية عن جمال عبد الناصر وعبد الحكيم عامر، ومن المستحيل أن أكتب تلك الرواية". ويرى صاحب مدونة "وسّع خيالك"، أن "استخدام الخيال والفانتازيا في السياسة، أخطر على الأديب من الكلام في الجنس"، ويضرب مثالاً بالروائي سلمان رشدي، البريطاني من أصل هندي، المعروف بروايته "آيات شيطانية": "لكن روايته، أطفال منتصف الليل، أخطر بكثير على حياته من روايته الشهيرة، لأنه نزع في ذلك العمل هالة القدسية المحيطة بتاريخ النضال الهندي، فرشدي بنشره تلك الرواية قطع علاقته بالهند نهائيًا؛ عندما تكتب رواية كتلك، فأنت تتخلى بمحض إرادتك عن علاقتك بشكل كامل بهذه الفترة من حياتك، وروايتي التي أحلم بكتابتها عن ناصر وعامر، رواية فانتازية تفترض أن بين القائدين علاقة حب مثلية، فماذا لو كتبتُ هذه الرواية؟ خدش الحياء أمر، وأن يقرر المصريون كراهيتك هو أمر آخر تمامًا".
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها