الثلاثاء 2017/02/21

آخر تحديث: 12:37 (بيروت)

ما عاد هناك تابوهات لكسرها

الثلاثاء 2017/02/21
ما عاد هناك تابوهات لكسرها
تجاوز التابوهات راهناً، محسوم لصالحها، مع أنها ميتة سلفاً
increase حجم الخط decrease
لا يتوقف منتجو الثقافة في لبنان على أنواعها ووجهاتها عن الترويج لأعمالهم من باب "كسر التابو". فهذه المسرحية، ولأن في حوار من حواراتها شتيمة، هي "تهتك المحرم"، وهذا العرض، ولأن شخصية من شخصياته تظهر عارية، هو "يتجاوز القيم السائدة"، وهذا الفيلم، ولأن مشهد من مشاهده يدور بالمضاجعة، فهو "جريء". 

على هذا النحو، ومنذ وقت طويل، واظب هؤلاء على تقديم أعمالهم بالطريقة نفسها، لدرجة ان الاستماع الى مقولاتها اليوم، من قبيل "تخطي الأخلاق"، و"خدش الحياء"، صار مملاً للغاية، بل انه يحتم السؤال عن وضع المحظورات التي لا تزال هي هي مع ان الكشف عنها قد جرى مراراً وتكراراً. فمن البديهي ان "التابو"، وبعد كسره على مدى عقود، لا يعود على مكانته، لكنه، ومع ذلك، يواصل بقاءه، وهذه المرة، ليس بالاستناد الى سلطته، بل الى سلطة تخطيه.

قد يصح القول ان تجاوز التابوهات بعد هتكها صار السبيل الى انتاجها، اذ ان مدعي خرقها يهبها قوة، هي، فعلياً، لا تتمتع بها. لكنه، ومع هذا، يعمد الى اعطائها هذه الحظوة من اجل ان يسلبها اياها، وبذلك، يجد مرتبته او موقعه. فهو، ولأنه مأخوذ بإيديولوجيا التجاوز، عليه ان يتفاعل مع تلك التابوهات بزعم مضاعف. من ناحية، يزعم انها شديدة الوطأة، ومن ناحية اخرى، يزعم انه يتحداها، لكنه، وبسبب انه يعلم بلا جدوى تجاوزه لها، غالباً ما يقدم على فعله هذا بضعف وتزعزع. فمع انه هو الذي زودها بسطوتها الوهمية عبر التغلب عليها، غير انها تظهر، في النهاية، متماسكة اكثر من تعديه لها.

من الممكن القول ان تجاوز التابوهات راهناً هو محسوم لصالحها، وذلك، مع انها ميتة سلفاً. فمتجاوز هذه التابوهات، ولأنه، في الأصل، لا يؤمن بسلطتها، يحييها في حين يحسب انه يخرقها، فلا ينطلق فعله حيالها من ضرورة متعلقة بضغطها عليه، بل من واجب الالتزام بتجاوزها، الذي ينقلب الى حفاظ عليها. يحيي المتجاوز تابوهات متلاشية، الا انه، ومن جراء عدم اعتقاده بأنها على قيد الوجود، لا يبذل الكثير من الجهد في هتكها، وبالتالي، يتكشف عن كونه لا يريد، ومثلما يدعي، ان يطيح بها، بل ان يكون محاطاً بها. فيسحب تابو من تلك التابوهات الهالكة، ينشطه، يتجاوزه، وبهذا، يحميه، ويواظب على إنتاجه كصورة جوفاء ليست معدة سوى لتخطيها. فالتابوهات، التي يهرع منتجو الثقافة الى هتكها، تولد بتجاوزها، وتولد لتجاوزها، ومع هذا، تطلع اكثر متانة منه.

عندما يستفهم من متجاوز التابوهات عن الفائدة من فعله، قد يجيب بأنه يعبّر عما يدور في اخطار الكثيرين، بحيث انه ينقل الأوجاع التي يعانون منها. بالتالي، ولما يعمد في أعماله الى إطلاق "صرخاتهم" تحت عنوان "هتك المحرم"، ينطلق من كونهم، أولاً، في حاجة اليه، وثانياً، الى انه "يتجرأ" على ما لا "يتجرأون" عليه عادةً. فهو مخلصهم من الشر، الذي، وعلى اساس تجاوزه بوصفه تابو، يرسخ ويدوم، وهذا ما يتيح لهذا المخلص ان يتجاوزه المرة تلو الاخرى بدون ان يستنزفه.

فالمنقذ من الشر، في هذا السياق، هو الأكثر حمايةً له، والأكثر انتفاعا منه، لا سيما انه يحوّله الى مادة لتطهر المتفرجين، الذين يمكنهم ظهور الشر أمامهم، على الخشبة، او في الصالة، من التغاضي عنه لاحقاً. فوسائط الثقافة تقدم لنا الشر بطريقة نقدر من خلالها على نكرانه عندما ينتهي عرضها له، فبدل ان تعيننا على رؤيته بدونها، تحتكر مرآه، ونتواطأ معها في احتكارها هذا لكي لا نراه على حاله، اي بلا ان يكون مزيناً بالجمال او بالفجاجة.

فعلياً، ما عاد هناك تابوهات لكسرها، ولا محظورات لهتكها، أما، الشر فهو بائن، ولا يحتاج الى الصناعة الثقافية لكي تميط اللثام عنه. قال احد الكتاب: "كل شيء مدمر، فتحطيمه من جديد سيحمله الى إقامته فينا"، نعم، كل شيء صار مهيأ للبناء من جديد. 
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها