فجأةً، أو بنيّة المخرج على وجه الدقة، تحل الحبكة، بحيث تدخل رنا في غيبوبة من جراء حادث في الطريق، وخلفها، يدخل جود في رحلة تسجيله لأصوات المدينة، ليسمعها إياها، علّها تستيقظ. في أثناء كل هذا، تشير الكاميرا إلى كون النساء أكثر عدداً من الرجال في البلاد، ثم، تدخل، بدورها، في "معالجة" هذه "الإشكالية"، لكنها، عوضاً عن ذلك، تقفز إلى ما عرضته كهجس المرأة في جسدها، وفي المال، وفي المنفعة، وفي التقسيمة المسيئة "عقل\عاطفة"، ذلك، قبل أن تجاورها بتظاهرة تحاكي تنميطياً الإحتجاجات النسوية.
كل هذا، كانت الكاميرا تلتقطه بطريقةْ متأرجحة بين تكلفين غير منجزين. الأول دعائي، والثاني فيديوكليبي. ولما تريد أن تفلت منهما، تقتنع بأن مجرد الهبوط إلى تحت الماء هو أسلبة فنية، أو أن مجرد تسجيل المعاشين الجنسي أو الإغرائي بعدسة "الكشف عن المستور" ما زال يعدّ فعلاً "جريئاً".
في مقلب آخر، أتى أداء الشخصيتين الأساسيتين، بالإضافة إلى شخصية مروى (يارا بو نصار)، منسجماً في حال ربطه بجو القصة الممثلة ومعاييرها المضعضعة. أما عند فصله عنها، وهذا الأهم ربما، فيكون مبالغاً أو مفرطاً في مبالغته، لدرجة أنه لا يعود على علاقة بالمواقف، التي ينفعل بها، أو يحاول فعلها، تماماً كما في مشهد تفجع جود أمام منزل رنا.
وهذا لا يلغي أن لكل من الشخصيات الثلاث هنا، سمة منفردة، كبشاشة بو عياش، وطلعة زعرور، وتحديقة أبو نصار، لكن هذه السمات شبه تشتت في حمأة ومهب تنقلهم من وضع إلى ثان بلا إتمامه أو تحقيقه كاملاً، حتى أن أغلب وقائع عيشهم لاحت من دون تماسكهم في تمثيلهم لها.
لم يبتلع الكليشيه صورة "إسمعي"، بل إن هذه الصورة بدت كأنها ولدت مبتلعة به، وقد أخرجت بالإستناد إليه، في حين أن صوتها يترفع عنها، ويحاول إنجاز ما فشلت في تنفيذه. وربما، من الممكن القول أن "إسمعي" فيلم صالح للسمع بالأذن وطالح للمشاهدة بالعين، وذلك، بعد التغاضي عن الحوارات، التي لم تندرج في غير سياق المتوقع ولسانه.
وعلى هذا، قد لا تكون مشكلة السينما اللبنانية الرائجة في كونها تتناول موضوعات إنطلاقاً من الكليشيه الملتقط لها، لكن مشكلتها أنها، بذلك، تستسلم له وتجاهر به وتعيد إنتاج مقامه. فإذا واصلت تلك السينما مقاربتها لموضوعات الكليشيه في السبيل ذاته، وبالنظر ذاته، فعندها علينا أن نأخذ بما قالته إحدى المتفرجات في صالة العرض مع نهاية فيلم عرقتنجي: "كأنه تمهيد لمسلسل درامي، كأن جود هو أمير الليل في مراهقته"!
اشترك معنا في نشرة المدن الدورية لتبقى على اتصال دائم بالحدث
التعليقات
التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها