الخميس 2017/01/26

آخر تحديث: 11:36 (بيروت)

سيد حجاب: متونسة بحِسِّ مين يا مصر في غيابي

الخميس 2017/01/26
سيد حجاب: متونسة بحِسِّ مين يا مصر في غيابي
increase حجم الخط decrease
ربما لا يحمل الشاعر المصري سيد الحجاب، الذي ترك تراثًا هائلا من كلمات الأغاني، أية أغنيات في قلبه، بل حكايات الآخرين الذين أوصاه أستاذه بالبحث عنها.

فالابن الأوسط بين تسعة أبناء، لوالد أزهري، حفظ الشعر في طفولته على طريقة الشاعر الجاهلي امرؤ القيس، ولقنه أبوه العَروض حتى أتمها في سن الرابعة عشرة، لكن ذلك لم يشفع له عند أستاذ قابله في مرحلة دراسته الثانوية، وصدمه بحقيقة ما يكتب، "إن شعرك مقفى وموزون وسليم اللغة، لكنك تكتب عن عواطفك ومشاعرك وهي محدودة، باعتيادك عليها تتحول مع الوقت إلى صنايعي، فإذا أردت أن تكون فناناً ففي بلدك 30 ألف صياد، فى قلب كل واحد منهم 10 قصائد ابحث عنها"، فلم يكذب سيد حجاب خبرًا وظل حافظًا لتلك الوصية حتى وفاته.

طعم الحنين مُر.. ولساني فيه حنين 
سيد حجاب (1940 – 2017) غيبه الموت أمس، وولد في قرية "المطرية" في محافظة الدقهلية -شمال شرقي الدلتا في مصر، وهي إحدى القرى المطلة على بحيرة المنزلة، ويعمل عدد كبير من أهلها في مهنة الصيد، ثم انتقل لدراسة الهندسة في جامعة الإسكندرية قبل أن يستكمل دراسته في جامعة القاهرة. وفي العاصمة، التقى جيلاً من الشعراء والمثقفين المصريين البارزين: "هناك فتحت عينيّ وقلبي على مشاعر أغنى بكثير، فلقد كانت مليئة بالندوات الأدبية والمحافل الثقافية، وفي الكلية تعرفت على العديد من الأصدقاء من الكتاب والشعراء كان لهم اتجاه يساري وتفاعلت معهم". وفي القاهرة كذلك أصدر ديوانه الأول "صياد وجنية" بتشجيع من صلاح جاهين، وقد حقق الديوان نجاحًا كبيرًا كان من علاماته أن شبهه البعض بـ"لوركا"، لكن ذلك النجاح لم يسعد قلبه، إذ لم يقرأ ديوانه أي من أفراد قريته الذين استوحى قصائده من حيواتهم، ليقرر الاتجاه إلى الإذاعة المصرية حتى يصل شعره إلى أذن المستمع الذي لا يستطيع أن يقرأ أشعاره، فألّف ما سمّاه بـ"الدواوين الشعرية الإذاعية"، قبل أن يتجه الى الكتابة للتلفزيون والسينما.

ولا يتضح حرص سيد حجاب على المشافهة، في قلة ما نشره من دواوين مكتوبة فحسب، وإنما يتضح أيضًا في الأسلوب اللغوي الذي صاغ به العديد من أغنياته، وميزه كصوت شعري عن غيره من شعراء جيله، حيث استلهم مهنة أهل قريته لصياغة جمل شعرية تشبه في تشابك مفرداتها تشابك الخيوط في شباك الصيد "الشر.. شرَّق وغرَّب.. داخل لحوشنا/ حوشوا.. لا ريح شاردة تقشقش عشوشنا/ حوشوا.. شرارة تطيش.. تشقق عروشنا/ وتغشنا المرايات.. تشوش وشوشنا/ وتهيل تراب ع الهالة والهيلمان/ وينفلت من بين إيدينا الزمان".


زجال.. مهرج.. مِرَكِّبْ صوتي في لساني 
لا يعني ذلك أن سيد حجاب قد كرس أدواته الشعرية لخدمة أسلوب واحد للصياغة، أو حصر مواضيع قصائده في ما تعكسه الأفكار المباشرة للأعمال الإذاعية أو التلفزيونية أو السينمائية، بل تنوعت أساليب صياغته وصوره الشعرية حتى ليندهش المستمع أن حجاب مؤلف هذه الأغنية أو تلك. وكذلك امتدت مواضيعه، خصوصاً في الأغنيات، لتشمل العديد من الأسئلة الوجودية والفلسفية، وذلك لإيمانه الأصيل بقدرة اللغة العامية على استيعاب القضايا الإنسانية والوجودية مثلها في ذلك مثل اللغة الفصحى، الأمر الذي دفعه للدخول في معركة مع لجنة الشعر في المجلس الأعلى للثقافة في مصر العام 2008، والتي كان يرأسها وقتها الشاعر أحمد عبدالمعطي حجازي، حين كانوا في صدد التحضير للدورة الثانية من مؤتمر الشعر. فاختلف الأعضاء حول إهداء الدورة إلى اسم الشاعر خليل مطران أو علي محمود طه، لكن سيد حجاب تساءل: ولماذا لا تحمل الدورة اسم أي من شعراء العامية: فؤاد حداد أو صلاح جاهين أو بيرم التونسي، فرد عليه أحد أعضاء اللجنة بأنهم "مجرد زجالين"، وقال حجازي "نحن لجنة لشعر الفصحي فقط"، فانسحب حجاب معلنًا استقالته من اللجنة.

ولم تكن المعارك الأدبية هي الوحيدة التي خاضها الشاعر الراحل، فقد انشغل في حياته في العديد من المعارك السياسية، واعتُقل في عهد الرئيس الراحل جمال عبدالناصر، كما كان من المعارضين لنظام مبارك، ثم نظام الإخوان المسلمين، وكان أحد أعضاء لجنة الخمسين الذين شاركوا في كتابة الدستور المصري الحالي، وكان هو من صاغ ديباجته.

ياللي سهرتي الليالي يونسك صوتي.. متونسة بحِس مين - يا مصر - في غيابي؟
يقول سيد حجاب: "ودِّي أغني غنوة للحرية/ ولحلم طاهر في الضماير عاش/ ولوردة حمرا مفتحة مندية/ ولدنيا تانية لسة ما عشنهاش/ وللصبية اللي الهوا شالها/ وطرف شالها في الهوا رعاش/ ولغنوة العاشقين عالتلة/ لما القلوب قالت وصوتنا انحاش/ ولأهلنا الجدعان والأصلا/ وللصباح اللي لاح واتدلى/ ودِّي أغني لابني لكني/ أوان غنايا ماجاش".

وبالرغم من ذلك لا يخلو قلب مصري من أغنية كتب كلماتها، وفي قصيدة كتبها العام 1966 بعنوان "الزنزانة"، يقول: "ساعتي/ وقفت على خمسة يوم خمسة وعشرين/ من أول ما خدوني م الزمن المجنون في الشارع/ ورموني في الزمن المطفي المقفول العين/ زمن الزنازين"، وتلك تقريبًا ساعة وفاته، في الخامسة من مساء يوم 25 يناير، فإن كانت تلك نبوءة من الشعر أو محض مصادفة، فإن رحيله في ذكرى ثورة يناير ليس كذلك، فربما كان الأوان الأنسب لكي يغني أغنيته.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها