السبت 2017/01/21

آخر تحديث: 12:10 (بيروت)

يوسف الشاروني.. الإنسان الإيجابي في وطن متواضع

السبت 2017/01/21
يوسف الشاروني.. الإنسان الإيجابي في وطن متواضع
الجمهور المصري ظنه كاتبا لبنانياً
increase حجم الخط decrease
في مؤتمر القصة الأول، الذي عقد في القاهرة العام 2009، رأيت يوسف الشاروني، يتعكز على حفيده، بيد أن ظهره كان منتصبًا، ولا يكشف عن عمره الفعلي، غير قرحة أصابت أنفه، ربما يصاب بها المسنون في تلك السن المتقدمة؛ يذبل جلدهم أو يمرض فيصير أنفهم أو أي عضو آخر من الجسد على تلك الهيئة، فقد كان عمره –وقتها- 85 عامًا تقريبًا، لكنه عندما جلس على المنصة كمتحدث في إحدى الفعاليات، اعتذر عن ضعفه إن لم يسمع الحاضرون صوته، فقد سقط عشية الندوة فجرح وجهه وأصيب جسده برضوض.

ما الذي يجعل رجلاً في تلك السن حريص هكذا على حضور فعالية ثقافية رغم تدهور حالته الصحية؟

في مقال نشر بمجلة الآداب (مارس 1955)، وصف الناقد والشاعر المصري فوزي العنتيل، يوسف الشاروني بأنه "جاد أكثر مما ينبغي، وهو متيقظ صارم اليقظة كثيرًا". ولا يصلح ذلك الوصف للإجابة عن السؤال السابق فقط، وإنما للدلالة على مشروع الشاروني الأدبي الذي امتد نحو 70 عامًا، منذ بدأ كتابة القصة في أربعينات القرن الماضي، وحتى وافته المنية، إذ لم يمنعه شيئًا عن الإنتاج إلا الموت.

فيوسف الشاروني الذي وافته المنية، الخميس الماضي، عن عمر ناهز 93 عامًا، أفنى حياته مخلصًا لمشروعه، الذي تنوع ليشمل دروب الأدب كافة. فقد كتب القصة والرواية والشعر والنقد، كما مارس الترجمة وحقق عددًا من النصوص التراثية، لم يحكمه في ذلك إلا شغفه بفنون الكتابة. ففي كتابه "مباهج التسعين"، الذي صدر بداية العام الماضي، يقول صاحب "حلاوة الروح": "أشبه نفسي بالتاجر الذي يُحصي مكاسبه وخسائره في آخر يومه، فأجدني نشرت ثلاثة وستين كتاباً – وأربعة قيد النشر – ما بين قصة ورواية ونثر شعري ودراسات نقدية وسيَر، فلم أحدد لنفسي إبداعاً معيناً بل أطلقتها تبدع في حرية".

درس الشاروني الفلسفة في جامعة القاهرة، وتخرج فيها العام 1945، ثم عمل مدرسًا للغة الفرنسية قبل أن يلتحق بالمجلس الأعلى لرعاية الفنون والآداب والعلوم الاجتماعية (المجلس الأعلى للثقافة حاليًا)، وترأس نادي القصة (2001 – 2006)، وكان عضوًا في لجنتها بالمجلس الأعلى للثقافة، كما عمل أستاذاً غير متفرغ للنقد الأدبي بجامعة القاهرة، وعمل مستشارًا ثقافيًا فى سلطنة عمان، وحاز على العديد من الجوائز، منها: جائزة الدولة التشجيعية مرتين، الأولى في القصة 1969، والثانية فى النقد 1979، قبل أن يحصل على جائزة الدولة التقديرية فى الآداب 2001، ثم حصل في العام 2007 على جائزة سلطان العويس. وكان قد نال قبل ذلك وسام العلوم والفنون من الطبقة الأولى 1970، ووسام الجمهورية من الطبقة الثانية 1979.

وبالرغم من ذلك لم تكن بدايته الأدبية سهلة، إذ لم يجد ترحيبًا في مصر لنشر قصصه الأولى، إذ كان مغمورًا، ما اضطره لنشرها في مجلة "الأديب" اللبنانية فقدمته المجلة إلى الوسط الثقافي المصري الذي ظن للوهلة الأولى –ربما بسبب اسمه وبسبب جنسية المجلة- أن الشاروني كاتب لبناني... يقول في حوار نشر في جريدة "الأهرام" المصرية، منتصف العام الماضي: "بدأت الكتابة في الأربعينيات من القرن الماضي في مجلة الأديب في بيروت، لأنني حاولت أن أكتب في مجلتي الرسالة والثقافة في القاهرة، ولم تحظ قصصي بالنشر لأني لم أكن معروفاً في ذلك الوقت، وكان لي صديق مغربي اسمه أبو مدين الشافعي كان ينشر في مجلة الأديب اللبنانية، واقترح علي أن أرسل لهم قصصي فبعثت قصة، ونشرت في المجلة، وعرفت في مصر عن طريق لبنان بالكاتب اللبناني يوسف الشاروني، ثم بدأت أكتب في مجلة الآداب في بداية الخمسينيات، وبعدها بدأت أنشر في مصر".

ويعكس الإنتاج القصصي لصاحب "من جراب الحاوي"، ولعًا كبيرًا بالتراث الحكائي العربي، منذ مجموعته القصصية الأولى "العشاق الخمسة"، التي صدرت العام 1954، وهو انشغال لم يرتكز وحده على استلهام البنية السردية لذلك الموروث في أعماله القصصية فقط، وإنما كذلك بتحقيق نصوصه والتأريخ لها نقديًا، حيث أصدر نحو 28 دراسة نقدية عن السرد، ولعل هذا الدأب على العمل، هو ما حفظ ليوسف الشاروني اتقاد ذهنه، الذي لم يخبُ حتى لحظة وفاته، أو ربما كان سلاحه ضد التقدم في العمر: "الطريق الوحيد لكي تتجنب مصير جدك أو جدتك، هو أن تربي لك عادات ذهنية تحفظ لك شبابك العقلي رغم تقدمك في العمر الزمني. فوجود هواية لك، مثل الشغف بالإطلاع، يمكن أن تكون بمثابة سفينة نجاتك، وأنت في مثل هذا العمر الذي يعود فيه الإنسان إلى ظلمة العدم شيئاً فشيئًا".

ولا تبدو تلك الصرامة التي اتسم بها مشروع الشاروني الأدبي، دخيلة على شخصيته، حيث تكشف نصوصه عن وعيه بمفهوم المثقف الإيجابي، وانتقاده للنموذج المزيف منه، واعتبار منجزه الأدبي نتيجة طبيعية لذلك الالتزام: "أدّعى أنني أمثل الإنسان العادي الإيجابي (...) في وطن متواضع، سعيداً بمشواري الذي أدين به إلى من أبدعوني وأبدعنني وأبدعتهم وأبدعتهن".
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها