الأربعاء 2017/01/18

آخر تحديث: 13:44 (بيروت)

"صفر" لهادي سي: وفرة الخطاب وإفلاس الأسلوب

الأربعاء 2017/01/18
increase حجم الخط decrease
غالباً ما تنطلق معارض الفوتوغراف هادي سي مما يسمى "الرسالة الفنية"، التي تدور بالخطاب "الإنسانوي"، فتحمل موقفاً ضد العنف والحرب، كما في  IN GOD WE TRUST أو، في Not for Sale ،2009، وتبشر بالوحدة والسلام، كما في ONE BLOOD العام 2013. تالياً، استكمل سي، في معرضه الجديد "صفر" (غاليري صالح بركات حتى 11 شباط، بالتوازي مع مهرجان "فوتوميد")، "رسالته الفنية" تلك، وجعل رأس المال موضوعها، بحيث أنها تدلي برفضها له، معلنةً المعروف عنه والظاهر منه، أي أنه الأكثر سيطرة على المجتمع، وتحكماً بالسياسة، وقبضاً على الفن. وليشهر سي هذه "الرسالة"، وضعها في "غلاف" تصويري وتجهيزي، محوره، العملة التي خلقها، عملة الصفر دولار، باعتبارها تعطيلاً لقوة المال، وإلغاءاً لسلطته المهيمنة. لكن، هذه العملة، ومع أنها تخلو من أي قيمة فعلية، تطغى على معظم الأوضاع والأحوال، وتشكل عصبها أو أساسها.

يعيد سي الأرقام المسجلة على عملة الدولار إلى الصفر، مفرغاً إياها من غلبتها واستحواذها، مثلما يضع وجه الخوارزمي، بوصفه مخترع الصفر، في وسط هذه العملة، كأنه شخصية من الشخصيات المؤثرة في تاريخ الولايات المتحدة الأميركية، كجورج واشنطن أو ابراهام لينكولن. بذلك، يشرع سي، في تعقب عملة الصفر دولار وأثرها، فيصورها في يد إحدى المتسولات، التي لا يمكن الجزم إن كانت تعطي هذه الورقة النقدية أو تستعطيها، كما يصورها في أكياس النفايات والمتاريس، التي تمتلئ بها، وتحت هيكل  عظمي، يجسد لاجئاً يحتضن ابنه، وفي عدد من الجماجم، وعلى كفة ميزان العدل، وفي خلفية "الشرعة الدولية لحقوق الإنسان". مثلما يطارد سي عملته في تكدسها ككتلة مرصوصة، وفي خفائها تحت المظلة التي توفر الحماية، وفي تشكيلها لسترة الوقاية من الرصاص، وفي تأليفها لمسقط رأس الأناس، أو هاويتهم التي يسقطون فيها رأساً على عقب، وفي استيلائها على الزمن، وعلى شعار الصيدلة، وعلى سياسة الثواب والعقاب.

على نحو تمثيلي مباشر، يقع سي على عملته في أي مكان، وعلى منوال فوتوغرافي، يقوم بالموقف أكثر مما يقوم بالأسلوب، يجاهر سي بكون الدولار صفر يطوق كل شيء، فأينما ذهب، وكيفما تطلع، يجده. وبذلك، تبدو أعماله مسكونة ببغية إبراز "حقيقة العالم"، التي تظنها غائبة أو مخبأة، ومفادها أن المال هو السلطة المطلقة. إلا أن الأعمال، ولكي تنقل هذه "الحقيقة" لمتفرجيها، تتكئ على نقلها الحرفي، والفوري، ما يجعلها "حقيقة" فاترة، لا تزعج، ولا تثير، وفي النتيجة، هي لا تعود "حقيقة"، ومن سماتها الأولية أن يكون قولها قاسياً، بل تغدو عبارة عن مظهر فقط، ومظهر مألوف أيضاً: المال في كل مكان، إذاً، المال غير موجود، وربما، لهذا السبب بالذات، عملته هي الصفر دولار، وربما، ولهذا السبب بالذات، الإحتجاج على سيطرته بمثابة إبانة له. فلا "حقيقة" تطلقها الأعمال الفوتوغرافية، فترتطم عين المتلقي بها، بل إنها تذيع هيئة، وتحول علامتها، أي الورقة النقدية، إلى جسم فيتيشي، يجتاح كل صورة، ويحتل كل حالة فيها، كأنه يضفي عليها معناها، ويحركها.

وقع معرض "صفر" في عدد من السقطات. أولها، تغليب وفرة الخطاب على الأسلبة الفوتوغرافية، التي تكاد تكون مفلسة. وثانيها، الإتكاء على مقولة "سلطة المال المطلقة"، والإكتفاء بتظهيرها على اعتقاد أنها سلطة مجهولة في حين أنها ليست على هذه الحال البتة. وثالثها، تحويل المال، وعبر إبرازه التصويري المباشر والحَرْفي، من سلطة مهيمنة فعلياً على مصائر الفن والسياسة والمجتمع إلى هيئةٍ، من الممكن لأي عمل أن يلتقطها، ويرفضها، ويناوئها، وينقضها، في حين أنه ممول بها، ومحكوم بمقالبها، كما لو أن مقاومته لها هي "المقاومة صفر". فعندما يريد الفن أن يقاوم سلطة المال، عليه، بادئ ذي بدء، ألا يغير مقاومته لها إلى حصةٍ من قوتها، وإلا ستكون "رسالته" عندها بمثابة "رسالة" مكتوبة بالوعي الشقي ومصورة بعدسته.
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها