الأحد 2016/02/21

آخر تحديث: 12:03 (بيروت)

أحمد ناجي خذلته جريدته والمثقفون.. ولا حلّ إلا بـ"العزوة"!

الأحد 2016/02/21
أحمد ناجي خذلته جريدته والمثقفون.. ولا حلّ إلا بـ"العزوة"!
ألم يكن يسيرًا على ياسر رزق، رئيس تحرير "أخبار اليوم"، أن يتدخل بنفسه لإغلاق القضية بعد الطعن على البراءة؟
increase حجم الخط decrease
قبل أي شيء، ومن دون الخوض في سلامة أو خبث نواياه حول اختيار هذا الفصل دون غيره من فصول روايته "استخدام الحياة"، للنشر في جريدة "أخبار الأدب"، فإن الروائي المصري أحمد ناجي قضى أمس السبت، ليلته الأولى في السجن، كـ"مجرم"، لـ"خدشه الحياء العام"، بحكم من المحكمة! 


 قررت محكمة مستأنف بولاق أبو العلا، قبول استئناف النيابة العامة على حكم براءة ناجي وطارق الطاهر رئيس تحرير جريدة "أخبار الأدب"، لاتهامهما بنشر مواد أدبية "تخدش الحياء العام"، وقضت بحبسه عامين، وتغريم الطاهر 10 آلاف جنيه. وبما أن الحكم قد صدر حضورياً، فقد تم ترحيل ناجي إلى السجن، فيما لم يتبق له حاليًا غير مرحلة تقاضٍ واحدة وهي الطعن أمام محكمة النقض، فهل سينجو صاحب "استخدام الحياة"؟

يغيب المنطق دائمًا عن مصر، في كافة الشؤون، وليس –فقط- في ما يتعلق بتحقيق العدالة، وتجري الأمور فيها غالبًا بالتواطؤ، أو النصيب المحكوم -بشكل أو بآخر- بالتواطؤ وإن كان على سبيل التراكم أو الصدفة. وفي قضية ناجي، وبعيدًا من شجب الحكم ورفضه، نحن نبحث عن حل للخروج من الأزمة، وهو ما يستدعي طرح الأمر بشكل أكثر عملية ومباشرة.

ألم يكن يسيرًا على ياسر رزق، رئيس مجلس إدارة مؤسسة "أخبار اليوم"، أن يتدخل بنفسه لإغلاق القضية بعد الطعن على البراءة؟  

لعله كان واثقًا –مثلا- من تكرار تبرئة محكمة الاستئناف لصحافييه طارق الطاهر وأحمد ناجي، حيث جرت العادة أن القضايا الحاصلة على البراءة كحكم في درجتها الأولى، تحصل عليها أيضًا في مرحلة الاستئناف. فهل معنى ذلك أن ياسر رزق بريء من وصمة التخلي عن صحافيي مؤسسته. في الواقع، تبدو حقيقة الأمر غير ذلك مطلقًا، فقد تخلت "الأخبار" منذ بدء القضية، تمامًا، عن كل من أحمد ناجي وطارق الطاهر. وأرصُد هنا واقعة حقيقية جرت نهاية العام الماضي تثبت ذلك، إذ كانت صفحة الثقافة في الجريدة اليومية –والتي يرأس رزق تحريرها- تعد تقريرًا عن الحصاد السنوي للثقافة، وضعت له أربع أسئلة رئيسية هي: ما هو أفضل كتاب؟ مَن أكثر الشخصيات المؤثرة خلال العام؟ ما أفضل حدث ثقافي؟ ما أسوأ حدث ثقافي؟ وحين اتصل أحد الزملاء الصحافيين بأديبٍ ما لإشراكه في استطلاع الرأي (وأتحفظ هنا عن ذكر اسم الضيف) قال الأديب إن أسوأ حدث هو إحالة صاحب "استخدام الحياة" إلى المحكمة، فاعتذر الصحافي عن ذكر ذلك في تقريره لوجود تعليمات تحريرية في الجريدة بعدم التعرض مطلقًا لقضية ناجي لا من قريب أو بعيد!

وبما أن المؤسسة الصحافية الكبرى قد تخلت عن صحافييها وكتّابها، وبما أننا في دولة اللامبالاة وعدم تحمل المسؤولية، كان منطقياً أن تتجاهل وزارة الثقافة ووزيرها، الكاتب الصحافي حلمي النمنم، القضية برمتها وألا تسعى ولو شكليًا إلى شجبها.

ضلع أخير يرتبط بالقضية، وهو حتى اللحظة غير مدان، وهم معظم المثقفين الذين لم يتعاملوا مع طعن النيابة وإحالة القضية للجنايات بالتضامن نفسه الذين أبدوه في مرحلتها الأولى، فلو استمر التضامن بالقدر نفسه لعدل قاضي الجنايات عن حبس ناجي وتغريم الطاهر. وهنا تجدر الإشارة إلى آلية القضاء المصري في التعامل مع الطعون. فمحكمة الجنح، التي نظرت القضية في السابق، وفي معيار القضاء، هي محكمة أقل خبرة، وبالتالي تنظر الطعون المقدمة على أحكامها في محاكم أخرى أكثر خبرة. لذا جاء تحويل القضية إلى الجنايات. ويغيب عن المتابعين للقضية الانتباه إلى مضمون الطعن الذي قدمته النيابة على حكم محكمة جنح بولاق أبو العلا في 2 يناير الماضي، وهو مضمون في غاية الأهمية والخطورة، ولعله السبب الأول في إصدار قاضي الجنايات حكمه بالحبس ضد الروائي المصري.

فقد استغلت النيابة حيثيات حكم البراءة كدليل إدانة ضد ناجي، وقالت، إن "المادة 67 من الدستور حرصت على حرية الإبداع الفني والأدبي، غير أن المادة ذاتها أناطت بالنيابة العامة القيام بدورها في حماية المجتمع من كل تجاوز ناتج عن عدم التفرقة بين حرية الفكر والإبداع، وبين تجاوز تلك الحريات بالقدر الذي يؤدي إلى التعدي على حريات الآخرين وحرمة الآداب والحياء العام.. موضحة (أي النيابة) أنه ليس كل ما يحويه العمل الفني والأدبي يخرج عن نطاق التأثيم الجنائي، باعتبار أن علانية المنتج الفني أو الأدبي أو الفكري قد ينتج عنها ارتكاب جرائم، وأن هناك من قد يصاب بضرر جراء تلك الجرائم". وأضافت النيابة في الطعن المقدم منها أن "أحكام محكمة النقض قضت بأن الكتب التي تحوي روايات لكيفية الجماع الجنسي وما يحدثه ذلك من اللذة والتفريط في الأعراض، يعتبر نشرها انتهاكاً وهدماً لحرية وقواعد الآداب العامة وحسن الأخلاق، ومن ثم فإن استناد الحكم الصادر بالبراءة إلى أن العبارات والألفاظ الخادشة للحياء العام، قد جاءت في إطار عمل أدبي وسياق عام لقصة من وحي خيال كاتبها، قد جاء مخالفاً للمبادئ الدستورية والقانونية المستقرة".

مما سبق يبدو أن قاضي الجنايات قد ارتكن في حكمه إلى معياره الشخصي، والذي يسمح له بالتلفظ بألفاظ مثل "ك..." وخلافه -التي ضمها نص ناجي- فقط على المقهى مع أصدقائه وإنما يستحي أن يدخلها بيته. ربما يكون القاضي مجرد شخص تقليدي محافظ، لكن نظرته للقضية كانت ستتغير كثيرًا إذا وجد التضامن نفسه مع الكاتب من قبل الرأي العام الأدبي، أو أبصر وجوه الكتّاب أنفسهم، والذين سبق أدلوا بشهاداتهم في محكمة الجنح، حاضرين في ساحة محكمته، ولربما غيّر حكمه ساعتها.

إذن ما الحل؟

أعلَن الدفاع عن أحمد ناجي، أنه سيتقدم بإشكال على الحكم، ثم طعن إلى محكمة النقض، حتى يتم إطلاق سراح موكله لحين انتهاء نظر القضية لدى "النقض". ويقضي القانون بأن تنظر دائرة الجنايات نفسها التي نطقت بالحكم، في ذلك الإشكال، ما يعني احتمالية رفضه، وإذا رفضته سينتظر ناجي في السجن حتى تقبل محكمة النقض طعنه، وهو أمر غير مؤكد أيضًا، وقد يستغرق أعواما من الإجراءات يكون ناجي فيها قد قضى فترة حبسه كلها.

وفي مصر، وحيث أننا ارتكنّا إلى اهتراء نظام الأمور كافة، إذا كان مقدم النقض يواجه قضاءه بنفسه، أي وحيدًا بلا "عزوة"، فإنه في الغالب مضمون رفضه، وفي حال وقفت إلى جواره عائلته فقط، فإن الأمور قد تسير في صالحه، والأمر الوحيد المقبول، هنا، من المثقفين المصريين، ليس الرمزية الساذجة في إحراق كتبهم أمام دار القضاء العالي كما دعا أحدهم عقب صدور الحكم، لكن تصعيد الأمر إلى منتهاه بالسبل كلها للضغط على وزير الثقافة بالتدخل لإنهاء القضية، وإلا فلا سبيل لناجي لكي يرى النور قبل عامين. 

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها