الثلاثاء 2016/12/27

آخر تحديث: 13:07 (بيروت)

المعايدة: رمي الطابة على جدار ميت

الثلاثاء 2016/12/27
المعايدة: رمي الطابة على جدار ميت
المعايَدون الفعليون هم الذين لا يردون عبارات التهنئة بحلول العيد إلى الناطقين بها حيالهم (غيتي)
increase حجم الخط decrease
الذي يعايدك بعبارة "ينعاد عليك" يفترض مسبقاً أنك منخرط معه في جو الإحتفاء بحلول الميلاد، ولهذا، لا يمكنك، بحسبه، وإذا أردت أن تنجز طقس الإجتماع به، أن تتلقى عبارته بالشرود أو الصمت حيالها، بل عليك أن ترد عليها بـ"وعليك بخير". فلا تكتمل معايدته لك عندما ينطق بها على مسمعك، موجهاً إياها نحوك، أي لا يكفي أن يلفظها لكي تتم، بحيث من الضروري أن تستلمها، وترجعها إليه من جديد. 

إذ لا يزودك بالتهنئة من أجل أن تحتفظ بها، ولكن، بغاية أن تعكسها صوبه، وعندها، لا يمكث في دوره، أي لا يبقى المعايِد، بل يتغير إليك، يتمثل بك، ويتحول إلى المعايَد. أما، أنت، فمن جهتك، وحين تعطيه الدور، الذي كنت تشغله في لحظة معايدته لك، لا تحصل منه على دوره السابق، فلا يتيح لك أن تضحى المعايِد، الذي كانه، غير أنك تكون، وعند ردك عليه، مجرد معيد. لنقل أنك شبيه بالجدار، الذي يرمي أحدهم الطابة عليه، فترتطم به، حتى تأوب إليه.

حين يعايدك شخص ما، فهو لا يفعل هذا، سوى لكي ينتقل من معايِد إلى معايَد. وذلك، بلا أن تنتقل أنت من معايَد إلى معايِد، بل أنك تتبدل إلى معيد، إلى جدارٍ، يلقي عليك طابة التهنئة، ويستردها منك. وطبعاً، كلما كانت هذه الطابة مطاطية، وكلما كان الهواء فيها مضغوطاً، يصبح رجوعها إلى ضاربها سانحاً وسريعاً. فالمعايدة الجيدة هي المعايدة الكروية، المؤلفة من فراغ مكبوس في إطار لغوي، لا طائل منه في حال لم يتصل بإطار الإجتماع الإحتفائي ووقته، مثلما أنها المعايدة التي، ومن جراء كرويتها وفراغها المكبوس، لا تصطدم بالجدار، وتسقط تحته مباشرةً، لكنها، تصطدم به لتعود إلى نقطة إلقائها، وإلى يدي ملقيها.

من الممكن القول أن المعايَد هو الجدار، الذي يوفر رجوع عبارة التهنئة، أو طابتها، إلى المعايِد، وذلك، من خلال جموده في مكانه أمامها، وعبر ابتعاده عن الإحتفاظ بها. وبمعنى آخر، لما يقلع، من ناحيته، عن أي فعل في اتجاه العبارة-الطابة غير ردها بانصراف وحياد سلبيين، يحقق الشرط الأساس للمعايدة، وهو غيابه في أثنائها. فعندما تقع العبارة على مسمعه، أو الطابة على جدار أذنه، لا بد أن يتوارى كفاعل عنها، ويرجعها إلى الناطق بها، وبهذا، لا يمنعه عن الإنتقال من دور المعايِد إلى دور المعايَد.

على هذا النحو، حين يعايد أحدهم غيره فهو لا يغيره إلى معايَد، بل العكس تماماً، أي أنه يغيبه، يميته، كمعايَد، ولا يُحضره في مقابله سوى كمعيد: "أعايدك لكي تعيد لي التهنئة، فأصير أنا المعايَد، وليس أنت". بالتالي، المعايَدون هم ذاتهم المعايِدون، أما، هؤلاء، الذين يتلقون عبارات التهنئة بحلول العيد، فعليهم أن يكونوا معيدينها، أن يكونوا جدران ردها، وأن يتلزموا بأمر بعينه: ألا يستأثروا بها، ألا يخصّوا أنفسهم بحصة منها، أن يضحوا بأنفسهم من أجل إتمام رغبة المتلفظ بها في الإستحواذ عليها.

لا سبيل للمعايَد، ولكي يحقق مدار التهنئة بحلول العيد، سوى أن يموت، أن يرد عبارة "ينعاد عليك" إلى الناطق بها على مسمعه، أن يكون معيدها فقط. لكنه، وفي بعض الأحيان، قد لا ينتبه إلى معايدته، فتنزل عبارة التهنئة على جدار أذنه، وتسقط مباشرةً تحته. يسكت، ولا يرد بـ"وعليك بخير"، وعندها، قد ينزعج ممارس المعايدة الأولى، أي المعايِد، ويجد في سكوت غيره استئثاراً بالتهنئة: "أنت لا ترد عليَّ لأنك تحولت إلى معايَد، وليس إلى معيد كما أرغب"، وربما، لن يكتفي بالانزعاج، بل سيتشنج، ويغضب، منتقلاً إلى المشاجرة مع الساكت أمامه لكي يسترد عبارة التهنئة منه، لكي لا يسمح له بأن يكون المعايَد.

فالمعايَدون الفعليون هم الذين لا يردون عبارات التهنئة بحلول العيد إلى الناطقين بها حيالهم، هم الذين يتلقون المعايدات ولا يجيبون عليها، وبذلك، لا يلبون رغبات ممارسيها الإستئثارية، وبالتالي، لا يموتون.
ينعاد عليكم.
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها