نقاط قوة الفيلم تكمن في الأداء التمثيلي لكل من دانيل رادكليف وبول دانو، وفي الطريقة الاحتفالية التي يتعامل بها "الدانيلز" مع فن القَصّ السينمائي لصنع فيلم يبدو خفيفاً وسلساً، لكنه يخفي تحت حكايته طرُق تنتظر الاستكشاف. دانو، بمهارة ووضوح، يشدنا إلى شخصيته ومخاوفها وارتباكاتها ومسرّاتها. أما رادكليف، المناسب جداً لحمل ملامح جمود شخصيته وموتها الفيزيائي، يقدم لحظات مشرقة من الكوميديا والعاطفية الرثائية. وعلاوة على ذلك، فإنه، بالتركيز على قوة السرد القصصي، يسلط الفيلم الضوء على الطريقة التي يستخدم بها "هانك" القصص والحكايات لفهم حياته السابقة: في مسعاه لتعليم "ماني" (وبالاستطراد، نفسه أيضاً) أشياء عن العالم وعمّا يعنيه أن يكون إنساناً.، يخبر "هانك"، "ماني"، حكايات من ماضيه، وتحديداً، يعيد تمثيل هذه القصص ويقوم بإسناد دوره إلى "ماني". يبني "هانك" باصًا من عصي الغابة وقطع صغيرة استخلصها من النفايات والقمامة، ويحوِّل الغابة إلى ساحة تمثيل، وبصوته يصنع شريطاً صوتياً يصاحب المَشاهد. ومن خلال هذا القَصّ المسرحي السحري، يبدأ المتفرجون أنفسهم في الاعتقاد مع "هانك" بأنه وجد طريقاً لفهم شيء عن نفسه وعن رغباته وعن العالم.
حين تقسم عناصر السينما إلى أجزاء منفصلة، أزياء وحوار وكاستينغ وموسيقى وممثلين، لا تبدو مميزة على نحو خاص. لكن في تحية واضحة إلى السينما نفسها ومثيولوجياتها وقوتها العلاجية، إذا جاز التعبير، كما في "رجل الجيش السويسري"؛ يذكرنا "الدانيلز" بأسباب محبتنا للأفلام: السينما فضاء مفتوح على كل الاحتمالات، يمكنها أن تحكي أي قصة سخيفة وغريبة وتصبح حقيقية وأصيلة، حتى لو كانت حول صداقة بين رجل وجثة. وإذا كان الاستنتاج الذي يقود إليه الفيلم يبدو إشكالياً، أو أن لحظات تميزه تبدو متفرقة، أو أنه ينحو أحيانا إلى النصائح الفارغة من المعنى، فإنه من الصعب، في نهاية المطاف، القول أن وقتنا ضاع في مشاهدته، كون الفيلم مهموماً بالبحث عن العصاب الذي يحيط بالإنسان، ويملك الشجاعة لاختبار حدود ما يمكن للسينما أن تقوله من حكايات. لوا يمكننا سوى التطلع إلى الفيلم المقبل لدان كوان ودانيل شنيرت.
(*)"رجل الجيش السويسري" يعرض حالياً في سينما "متروبوليس أمبير صوفيل"-بيروت.
اشترك معنا في نشرة المدن الدورية لتبقى على اتصال دائم بالحدث
التعليقات
التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها