الخميس 2024/04/11

آخر تحديث: 13:15 (بيروت)

"عقيدة إسرائيلية"... عن يهود كفروا بإسرائيل والصهيونية

الخميس 2024/04/11
"عقيدة إسرائيلية"... عن يهود كفروا بإسرائيل والصهيونية
increase حجم الخط decrease
إذا كان ثمة مَن سينقذ هذا العالم المقلوب رأساَ على عقب، فسيكون الشباب، مواليد التسعينيات أو العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، الجيل "زد" أو أياً كان ما يُطلق عليهم.

هذا الانطباع يترسّخ داخل المرء بعد مشاهدة فيلم "عقيدة إسرائيلية"(*) للمخرجين الأميركيين اليهوديين، إيرين أكسلمان وسام إيلرتسن، الذي يتناول الانقسام المتنامي جيلياً بين اليهود الأميركيين بشأن قضية فلسطين، حيث ينتقد العديد من اليهود الشباب إسرائيل بشكل متزايد ويقلّ دعمهم للصهيونية، حين يواجهون حقائق التاريخ المغيّب عنهم ويفتحون عيونهم على حقائق تغافلوا عنها طويلاً أو أخفيت عنهم، كجزء من مخطط صهيوني تضليلي واسع يرسم صورة مشرقة لدولة الاحتلال ويربّي عليها أجيالاً من اليهود الأميركيين.

تقول سيمون زيمرمان، إحدى أبطال الفيلم والمؤسسة المشاركة لمجموعة الوعي الجديد IfNotNow التي ترفع شعار "لا يمكننا أن نصمت"، إنها نشأت على تعاليم لقّنتها إن دعم إسرائيل أمر أساسي لهويتها اليهودية، لكن ذلك انهار بمجرد زيارتها للأراضي الفلسطينية المحتلة ومشاهدتها بأمّ عينها نظام الفصل العنصري الذي يعيش في ظلّه الملايين. وتقول: "إن دعم هذا القمع المثير للاشمئزاز والحرمان من الحرية يتعارض بشدة مع قيمنا كشعب يهودي". رحلة زيمرمان، من عبادة إسرائيل والصهيونية إلى الكُفر بهما ومناهضتهما، تعكس مسارها ومسارات العديد من الشباب اليهود الآخرين الذين أدركوا أنه يجب عليهم النضال من أجل الحرية والمساواة للفلسطينيين وفي الوقت نفسه محاربة معاداة السامية.

تكمن أهمية الفيلم الأساسية في مساعدته على فهم جوهر السبب لكَون علاقة العالم بفلسطين والفلسطينيين على ما هي عليه الآن. مع التركيز على إسرائيل قبل كل شيء. جانب معتبر من أهميته كشفه الفاضح لزاوية لا تأتي عليها الميديا ووسائل الإعلام الغربية/البيضاء عادة حين الحديث عن كيف ولماذا لا تكون معاناة وألم الفلسطينيين مرئية أو مهمة مثل معاناة وألم أي شخص آخر في هذا العالم. بعبارة أخرى، إذا توخّينا الصدق والصراحة، البيض والإعلام الأبيض لا يشعرون بالقلق أصلاً بشكل خاص بشأن مآسي ومعاناة السودانيين أو الأطفال في الكونغو، ناهيك عن السوريين والأويغور، وغيرهم؛ فكيف يُنتظر منهم أن يلقوا بالاً لمعاناة شعب عربي "بدائي" صودف أن قامت على أرضه التاريخية دولة يعتبرها قادة "العالم الحرّ" الديموقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط؟!


بين مناظرات ومناقشات محتدمة ومستمرة داخل أحرم الجامعات الأميركية(**)، ينتقّل الفيلم موثّقاً شهادات شباب نشأوا على الإيمان بالارتباط الوثيق بين إسرائيل واليهودية، وأن الولاء للقيم اليهودية يقتضي دعم إسرائيل باستمرار، والدفاع عنها في وجه كل نقد يوجّه لها من أي طرف كان. إلى جانبهم، وبطول الفيلم يحرص المخرجان على تحقيق التوازن بين الطرف المناهض لإسرائيل، والآخر المؤيد والداعم. ولهذا تظهر العديد من المنظمّات والشخصيات، تلك التي تتحدّى دولة إسرائيل (بما في ذلك IfNotNow، والصوت اليهودي من أجل السلام، وJ Street وغيرها الكثير)، وتلك التي تدعمها (وكلّها يمينية متطرفة، مثل "بيرثرايت" و"أيباك" والمجموعات الأخرى التي حاولت الحفاظ على الوضع الراهن المتمثل في الدعم غير المشروط لإسرائيل). كما يوظّف المخرجان الأرشيف والمقابلات المباشرة واللقطات الإخبارية والخرائط والرسوم المتحركة والتعليق الصوتي، لشرح وتقريب الموضوع من زواياه المتعددة.

استغرق العمل على الفيلم نحو سبع سنوات. عن دافعها لإنجاز الفيلم، تقول المخرجة إيرين أكسلمان إنه مستوحى من قصتها وتجربتها الشخصيتين مثلما "من قصة شباب يهود أميركيين يتعلّمون نسخة مثالية ومعقَّمة من التاريخ الإسرائيلي، ويقعون حقاً في حب هذا التاريخ، لكن عند الاتصال بالفلسطينيين والروايات الفلسطينية، يستيقظون فزعاً عند التعرّف على الأحداث المروعة والقمع الذي يتعرّض له الشعب الفلسطيني". وتضيف: "لذلك، عندما علمت بالنكبة والاحتلال عندما كنت شابة، أردت أن أفعل كل ما بوسعي بأي طريقة، كبيرة كانت أو صغيرة، للمساعدة في تغيير مجتمعي اليهودي، وكذلك لإنهاء القمع المروّع للشعب الفلسطيني. وبدأت أحاول التواصل مع المزيد والمزيد من الأشخاص الذين مرّوا بتجارب مماثلة، وبدأت أدرك أن قصتي كانت جزءاً من تغيير جيلي أكبر بكثير، حيث بدأ مئات الآلاف من الشباب اليهود الأميركيين في إدراك ذلك ولتحقيق قيمنا اليهودية بأفضل ما في وسعنا، يجب علينا أن نناضل من أجل الحرية والمساواة للفلسطينيين بينما نكافح أيضاً ضد معاداة السامية".

في الأساس، "عقيدة إسرائيلية" وثائقي عن كيفية تربية الشباب اليهودي، أولاً وقبل كل شيء، في أميركا. العديد منهم، وفي المقام الأول سيمون زيمرمان، يتحدثون عن نشأتهم، وكيف مروّا بالمخيمات، وتعلّموا عن إسرائيل ولم يواجهوا مطلقاً مصطلح فلسطين أو الفلسطينيين. ثم يحدث في الحياة أنهم يواجهونها ويبدأون في طرح أسئلة لا يستطيع أحد الإجابة عليها. لذلك يذهبون للبحث عنها بأنفسهم. في حالة سيمون، التي ستبقى مع الفيلم حتى النهاية، وصلت إلى حدّ الذهاب إلى فلسطين والتعرّف على تاريخها وقصصها وواقعها. ولأكثر من 10 سنوات، ظلّت تنشر تلك القصة في أميركا (مناهضة العنصرية الإسرائيلية، ورفض الربط بين الصهيونية وإسرائيل، كما رفض فكرة أن العداء للصهيونية هو بالضرورة معاداة للسامية، كما يروّج الصهاينة)، حتى من خلال هذا الفيلم، تحاول جمع الأشخاص ذوي التفكير المماثل. وبالطبع، لا يمكن لأحد حتى أن يتخيّل مدى صعوبة الأمر وحجم العداء الذي تواجهه سيمون طوال الوقت، والرفض الذي تلقاه داخل مجتمعها وعائلتها وأصدقائها السابقين.

هناك العديد من الأشخاص الآخرين ممن لديهم تجارب مماثلة، مثل جندي سابق في الجيش الإسرائيلي وجد القوة لبدء الحديث علناً عن كل ما فعله واختبره. وبالطبع هناك الكثير ممن يختلفون معهم ويدينونهم ويشكّلون أيضاً تهديداً لهم. لكن المبهر والمثير للإعجاب حقاً هو قوة هؤلاء الشباب وإصرارهم المستمر على التجمّع والاحتجاج، وامتلاكهم الشجاعة للوقوف أمام مقر أقوى اللوبيات الداعمة لإسرائيل "إيباك" والتعبير عن رفضهم ومناهضتهم العنصرية الإسرائيلية، وحتى بعدما يُقبض عليهم هناك، لا يفتّ هذا في عزيمتهم على مواصلة كفاحهم.

ختاماً، وعودة إلى البداية: إذا كان هناك مَن سينقذ هذا العالم، فسيكون الشباب، خصوصاً عندما تسمعهم وتقارنهم بأصحاب الرأي القدامى الذين يعارضونهم. ولهذا يُعطي هذا الفيلم بصيصاَ من الأمل نفتقده بشدّة في هذه الأوقات الحالكة من تاريخنا الإنساني.


(*) أُنتج الفيلم العام 2023، قبل انطلاقة "طوفان الأقصى" في السابع من تشرين الأول الماضي، وهو يخوض حالياً جولة عرض في 40 مدينة في كندا والولايات المتحدة بعد جهود سابقة لحظر العروض في جامعات عديدة. لمعرفة المزيد يمكن زيارة الموقع الرسمي للفيلم:www.israelismfilm.com

(**) قبل أسابيع، رفع ستة طلاب دعوى قضائية ضد جامعة هارفرد، متهمين إياها بأنها أصبحت "معقلاً للكراهية والمضايقات المتفشية ضد اليهود" والتسامح مع المضايقات المكثفة للطلاب اليهود منذ 7 أكتوبر. ويأتي ذلك في وقتٍ شهد تصاعد تقارير عن معاداة السامية وكراهية الإسلام في أنحاء الولايات المتحدة، لكن كان هناك جهد أوسع لتقييد الخطاب المؤيّد للفلسطينيين في الكليات والجامعات، وتعمُّد الخلط بين معاداة السامية وانتقاد الاحتلال الإسرائيلي من ناحية، والمطالبة بوقف فوري لإطلاق النار في غزة، من ناحية أخرى.

أُجبرت رئيسة جامعة هارفرد السابقة، كلودين غاي، على الاستقالة في وقت سابق من العام الجاري، بعد أسابيع فقط من تنحّي رئيسة جامعة بنسلفانيا ليز ماغيل، في أعقاب جلسة استماع في الكونغرس حول معاداة السامية حيث تعرّضت لاستجواب من قبل المشرّعين، بما في ذلك عضوة الكونغرس اليميني المتطرف في نيويورك إليز ستيفانيك.

رُفعت الدعوى القضائية ضد جامعة هارفرد من قبل مكتبَين للمحاماة، بينهما شركة كاسويتز بنسون توريس ومقرها نيويورك، والتي رفعت دعاوى قضائية مماثلة ضد جامعة نيويورك وجامعة بنسلفانيا. وللشركة أيضاً علاقات مع إدارة ترامب. وتشير الدعوى القضائية إلى المسيرات التي قادها الطلاب في حرم جامعة هارفرد لدعم الحقوق الفلسطينية باعتبارها "حشودً من الطلاب وأعضاء هيئة التدريس المؤيدين لحماس". وخصّت بالذكر عرض فيلم "عقيدة إسرائيلية" في كلية اللاهوت بجامعة هارفرد في أيلول، والذي يبحث في العلاقة بين يهود الولايات المتحدة ودولة الاحتلال الإسرائيلي، وانهيار المرويات الصهيونية أمام حقائق احتلال إسرائيل لفلسطين.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها