السبت 2016/01/23

آخر تحديث: 11:25 (بيروت)

"خمس سنوات ثورات":الدولة إذ تنأى بجسمها عن انهيار نظامها

السبت 2016/01/23
"خمس سنوات ثورات":الدولة إذ تنأى بجسمها عن انهيار نظامها
كانت الدولة تتصدى للثورة بحسب جسمها، فإما أبقت عليه، أو جعلته شكلاً من أشكال هذا السقوط
increase حجم الخط decrease
ضمن مؤتمر "خمس سنوات على الثورات العربية-عسر التحول الديمقراطي ومآلاته"، والذي شارك في تنظيمه كل من "المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات" و"معهد عصام فارس بالجامعة الأميركية في بيروت"، عقدت جلستان حواريتان تحت عنوان عام، "الدولة والثورات: مواجهة واحتواء". الاولى، أدارها بشار حيدر، والثانية، منى حرب، وتحدث خلالها عدد من الباحثين والأكاديميين، أمثال مليكة الزخنيني، ودانيال براون، وولد باهي بون، ومحمد الشيوي وغيرهم، قبل أن يُفتح النقاش على الحضور واستفهاماته. وصحيح أن الجلستين قد توازاتا من ناحية الوقت، الا ان توازيهما جاء في صعيد الموضوع والقول فيه أيضاً، ذلك، أن المجتمعين اتفقوا على انعدام استقرار الدولة على نموذج، والثورة على طرز، كما وجدوا ان العلاقة بينهما لا تستقر على نمط بذاته.

فمع الانتقال من بلد الى آخر، كانت الدولة تتصدى للثورة بحسب جسمها وقوته، فإما أبقت عليه بعيداً من سقوط نظامها، أو جعلته شكلاً من أشكال هذا السقوط. هذا، وعلى ما ذكر مايكل هدسون، لم تنتظر الأجهزة الدولتية في بعض مناطق العالم الناطق باللغة العربية لحظات 2011 كي تنهار، بل انها انهارت قبلها، وجاءت تلك اللحظات لتعلن او بالأحرى لتشير الى انهيارها. بالتالي، ما كان من تلك الأجهزة سوى أن تشد افعالها وتحمل نفسها على تغليظ القمع وابادة المحكومين بها.

وعند الأخذ بتقسيمات ولد باهي لـ"التغيير العربي"، والاعتقاد بأنه آتٍ، في قسم منه، جذرياً، وفي قسم ثان، اصلاحياً، وقسم ثالث، غير مكتمل، من الممكن القول أن الدولة، بما هي جسم ثابت ورادع، تفاعلت مع ذلك التغيير على أساس اقترابه منها ومن مواقعها، وانطلاقاً من تفلت خائضيه من وطأتها وسلطانها. وغالباً ما كانت المؤسسات العسكرية هي العلامة على افعال الدولة، التي تراوحت بين الترقب والانقضاض. اما المؤسسات الأخرى، وفي مقدمتها القضاء، فجسدت الانفعالات الدولتية التي تراوحت بين الإنكار والحنق.على أنه، في نهاية المطاف، تبدو الدولة في احتواء الثورة كأنها تلغيها من وجودها، وحتى لو لم يحصل ذلك تواً، فالعسكر، في مصر على سبيل المثال، أخذ الأحداث التغييرية الى نقيضها، اي الى استئناف قبلها والافراط فيه.

قلّما يصيب فصل النظام عن الدولة في بلدان الربيع العربي، بحيث ان الأول قويَ وتمتّن عبر الثانية، كما أن الثانية، بدورها، وضعت فيه كأنها مظهر من مظاهره. على أن جسمها، وفي حال كانت قد حادت به عن سقوط نظامها، انقلب من فوق المحكومين به الى تحتهم. وهذا ما عبّر عنه مهدي مبروك في كلامه عن "الدولة العميقة" في تونس، كما لو أن الدولة، بعد الثورة، انتقلت من كونها بناءً متعالياً الى بناء عمقي.

في النتيجة، الدولة إذا نأت بجسمها عن انهيار نظامها، تنتقل الى العمق، وإذا لم تفعل ذلك، تبقى على موقعها الفوقي، وفي الحالتين،  تتصدى للتغيير وتعطله. وهنا، لا بد من التذكير بما ألمح اليه محمد العجاتي، الذي تكلم عن الدولة ودورها المتمحور في هذا البلد او ذاك حول الأمن ومكافحة الاٍرهاب، فضلاً عن تأمين الخدمة لمجتمعها وضمانة مصلحته عبر شبكات بعينها. اذ ان الدولة وفي سياق الثورات على نظامها لم تتردد في تعليق نفسها على سياق إقليمي ودولي، وهو الحرب على الاٍرهاب مثلا، وذلك، من اجل ان تكفل وجودها وحفاظها على قوتها. وقد تكون الدولة الأسدية في سوريا أوضح إشارة الى حفاظ الدولة على وطأتها باحتواء "الدولة العالمية" وممارستها لها باقتلاع الناس وقتلهم وتشريدهم. فهي ليست نظامها فحسب، انها نظيره ومعينه والمتطابق معه.

لم يذهب الباحثون والأكاديميون بأوراقهم المقدمة الى دراسة علاقة الدولة بالثورة وآلياتها، بقدر ما واظبوا على وصفها بمقولات شائعة، وربما هذا على صلة بضيق الأوقات المتاحة لكل واحد منهم. فما أن يبدأ واحدهم بالكلام حتى يقفز الى خلاصات الكلام ذاته. غير أن ما كان غائباً في أوراقهم، وبدرجات متفاوتة، هو تعيينهم الدولة باعتبارها غير مختزلة بمؤسسات ينوء "المجتمع" بظلها. والحال ان السؤال الذي قد يكون ضرورياً في هذا المجال هو موقع الدولة في خريطة الاجتماع، وليس في تاريخه فقط، وكيفيات تعاملها مع تضاريسه. فعندما تظهر الدولة ككابحة له، يعني هذا انها قطعت سبله، وضغطته، وأعاقت مساراته، وما ثوراته سوى دفعاً لهذا الكبح وتخلصاً من ذلك القطع.
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها