الأربعاء 2015/02/25

آخر تحديث: 12:56 (بيروت)

سيساكو لـ"المدن": نحن أول ضحايا التطرف الاسلامي وليس الغرب

الأربعاء 2015/02/25
increase حجم الخط decrease
منذ عرضه الأول في مسابقة مهرجان "كانّ"، والاهتمام بـ"تومبوكتو"، فيلم الموريتاني عبد الرحمن سيساكو، يتزايد بشكل لافت ليتحول في النهاية الى ظاهرة ثقافية واجتماعية ومرافعة ضد التطرف الديني.

فبعد خروجه من مسابقة أشهر المهرجانات السينمائية خالي الوفاض، راح يتكرس في المهرجانات. في غضون أشهر قليلة، عُرض في عدد لا يحصى من التظاهرات السينمائية في العالم، وصولاً الى ترشيحه لجائزة "أوسكار" في فئة أفضل فيلم أجنبي، ذهبت في النهاية الى الفيلم البولوني "ايدا". أمّا جوائز "سيزار" الفرنسية، فالتقط الفيلم سبع منها، ليلة الجمعة الفائت، من بينها جائزة أفضل فيلم وأفضل مخرج. تومبوكتو، المدينة التي كانت تُعدّ واحدة من أهم الحواضر الثقافية الاسلامية في غرب إفريقيا، ومركزاً لمكتبة ودار للمخطوطات الاسلامية القديمة، تقع في فيلم سياسكو رهينة الأصولية الإسلامية مع قدوم الجهاديين إليها. دائماً بأسلوب سيساكو الإفريقي الهادئ، سنرى كيف سيفرض المتشددون، الشريعة الإسلامية على الشعب، فيمنعون التدخين والموسيقى وكرة القدم، في محاولة لتغيير هوية المنطقة بكاملها.

في الآتي، ثلاثة أسئلة طرحتها "المدن" على سيساكو، علماً ان "تومبوكتو" سيفتتح مهرجان "أيام بيروت السينمائية" في 12 آذار/مارس المقبل.

* ألم يزعجك استبعاد "تومبوكتو" عن لائحة الجوائز في مهرجان "كانّ" الأخير؟

ـــ في الحقيقة، عندما تكون تحت ضغط وسائل الاعلام طوال عشرة أيام، ويقال لك ليلاً ونهاراً ان "السعفة" ستكون من نصيب الفيلم الذي انجزته، فستصاب بخيبة كبيرة عندما ترى انها ذهبت لغيرك، سواء استحقها الآخر أم لا. وتزداد الخيبة عندما تدرك انك لم تخسر فقط "السعفة"، بل لم تفز ايضاً بأي جائزة أخرى في المهرجان. لكن هذه الخيبة لم تستمر عندي أكثر من خمس دقائق. بين اللحظة التي علمتُ فيها بالخبر وقولي لعبارة "فعلاً؟"، مرت دقائق معدودة. لكني لا أخفي عليك انه عندما تُلقى على عاتقك قارة كاملة هي القارة الافريقية، وتبدأ هذه القارة بالدوران حول شخصك ناقلة اليك آمال الكثيرين، من الصعب ألا تشعر بالخيبة، خصوصاً ان افريقيا هي الغائبة الدائمة عن مسابقات المهرجانات الكبيرة.
عندما ينال ألماني "السعفة"، يفرح الألماني وكذا بالنسبة الى الفرنسي أو الايطالي. لكن عندما ينال موريتاني "السعفة"، أفريقيا كلها تصبح في حالة فرح. والحقّ ان الفيلم الافريقي صار فيلماً متعدد الهوية قد يتماهى مع هويته العربية ايضاً. قلة ستقول عن فيلمي انه موريتاني، لكن كثيرين سيعتبرونه افريقي الجنسية.
إذاً، خسارتي في "كانّ" كانت خسارة الآخرين ايضاً. دعني أقول لك شيئاً بكلّ صدق: اذا كان هدفي الأوحد من انجاز الأفلام هو الحصول على الجوائز، فهذا يعني أن شيئاً ما ليس على ما يرام! هناك الكثير من السينمائيين ينجزون الأفلام من أجل اقتناص الجوائز. هذا الفيلم طموحه أبعد من هذا كله. هناك عدد كبير من الناس حول العالم لا يعرفون ماذا يحصل حالياً في بلدان بعيدة من بلدانهم من قتل وتدمير وظلم. كنت أريد اعلامهم بآخر مستجدات منطقتنا المنكوبة. 

* في "تومبوكتو"، تحاول تصحيح صورة الإسلام المشوهة...

ـــ يجب أن نمتلك جرأة القول بأن ما يحصل ليس له علاقة بالإسلام. نحن أمام حالة من الهستيريا الراديكالية. لكلّ دين عقيدته وهي ليست سرية، سواء تكلمنا عن المسيحية أو الإسلام. وكلّ دين مرّ عبر تاريخه في مراحل ظلامية. شيء مهول ان ترى في عصرنا الحالي أناساً يقودهم ضياعهم او فراغهم (وأشياء أخرى لا أعرف طبيعتها بصراحة ــ لستُ مقرّباً منهم بما يكفي كي أحلل نفسيتهم)، الى وضع اليد على دين كامل وتحويل اتباعه الى رهائن.
يجب الاعتراف أيضاً بأنه، منذ هجمات 11 أيلول، هناك منطقة كاملة وقعت ضحية سوء الفهم، عالم لا يقدم أفضل صورة عن نفسه، فترى أن الآخرين يقدمون صورة بديلة عن صورته. كلّ شيء يتعلق بهذا العالم صار عرضة للاختزال والتنميط. في بعض أحياء الولايات المتحدة، لا يمكنك عبور الشارع إذا كنتَ أسمر اللون، طليق اللحية، علماً انه لا علاقة لك بكل ما يحصل، لا من قريب ولا من بعيد.
وسائل الإعلام هي الاخرى مخطئة عندما تختزل الإسلام في هذه الصورة النمطية مشيرة بالإصبع الى أفعال محدودة النطاق في محاولة للقول: "هذا هو الإسلام"، حتى وإن لم تأتِ على ذكر كلمة "إسلام". والغريب انه ليست هناك أصوات اخرى تقف في وجه هذا التشويه لصورتنا. فيلمي يتكفل بهذه المهمة. كنت أريد أن أقول إن أول ضحايا هذه الممارسات الإرهابية، سواء في سوريا او تومبوكتو او العراق، هم المسلمون أنفسهم. هم وحدهم رهائن هذه الحال المزمنة، وليس الانكليزي الذي يُقطع رأسه أو الأميركي الذي يجري ذبحه.
قبلهما، هناك أناس يتعذبون كلّ يوم، يتم الاعتداء عليهم وتُصادر حريتهم، لكن أحداً لم يشاهد معاناتهم. هؤلاء الصامتون عن ألمهم بالملايين. يعضون على الجرح ويعيشون في النكران. ويبدو أن ألمهم لم يعد له معنى في عالمنا الحالي. يركز الناس على ضحية واحدة ويتجاهلون الملايين. وعندما يُحاط الموت بالإخراج المناسب، فجأة يرى الناس الخطر المحدق بهم.

* في الفيلم، تظهر أن الجهاديين طارئون على ثقافة الأفارقة، لولاهم لعاش الأفارقة بتناغم مع الطبيعة...

ــ تماماً. تومبوكتو تعتبر رمزاً. يجب الا تقتصر أهميتها في كونها مدينة في مالي. انها مدينة مفتوحة من القرن الثاني عشر. ولا تنسى انها مدينة الاسلام، عاصمة العيش المشترك والتسامح. هذا تاريخها عبر العصور. وها هي تسقط في أيدي أناس لا يتكلمون حتى لغة البقعة التي يريدون احتلالها. وهؤلاء يأتون ليقولوا للناس كيف عليهم أن يعيشوا، ووفق أي أصول عليهم أن يتصرفوا. هذا شيء غير مقبول البتة. بعضهم يحتجّ بطبيعة الحال. نراهم يطلبون من بائعة أن تضع قفازين في يديها. لماذا؟ أليسوا هم الذين انتقلوا الى هذا المكان الجديد؟ بأيّ حق يفرضون شريعتهم على الآخرين؟ البنات في تومبوكتو تلقين تربية إسلامية معتدلة، لكنهن لم يُرغمن يوماً على ارتداء الحجاب. لستُ متخصصاً في هذا الشأن، لكن كلّ ما يجري من حولنا اليوم لا يبّشر بالخير، مع أني أميل دائماً الى التفاؤل.
لا أسجل موقفاً سياسياً بهذا الفيلم، بل أريد أن أطرح دراما انسانية. في الظاهر، أتحدث عن الجهاديين، لكنك إذا نظرت الى باطن الفيلم، فسترى حكاية أبّ وابنته من خلال سيرتَي الموت والفقدان. 


 
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها