الثلاثاء 2014/06/24

آخر تحديث: 13:39 (بيروت)

مرزاق علواش: ثقافة الجزائر يهيمن عليها "بزنس" الدين

الثلاثاء 2014/06/24
increase حجم الخط decrease
يتمنى مرزاق علواش أن يعود يوماً ما الى الجزائر ليصوّر فيها أفلاماً أقل صخباً. هو الذي دعا أخيراً الى "كاستينغ" لاختيار ممثلين لفيلم جديد سيصوره في أيلول/سبتمبر المقبل، أنجز أفلاماً أربعة خلال السنوات الأربع الأخيرة. هذا المخرج الجزائري الشهير، الذي عرض قبل أيام، فيلمه "السطوح" في مسقط رأسه واستُقبل بحفاوة، خلافاً للنحو الذي استُقبلت به أفلامه السابقة، يحبّ الكوميديا ويحلم بصنع شريط خفيف يذكر ببداياته في "عمر قتلته الرجولة".

لكن المرارة ترافق علواش أينما حل،ّ بسبب الأوضاع المتردية في بلاده. عندما قابلته، كان مستاءً كعادته، وقال إنه عندما يرى ما يحصل في البلدان العربية من حراك شعبين ويرى أن هذا يشعر الجزائريين بالأمان كونهم بعيدين عنه ــ علماً أنه لا أمان في الجزائر ــ فهذا يغضبه الى أقصى حدّ.

لعلواش علاقة اشكالية مع الجزائر منذ سنوات. فهو لم يقتنص فيها مثلاً أيّ جائزة، إلا قبل أيام، حين عرض "السطوح" في أحد المهرجانات السينمائية الجزائرية. كان يحلو له التوضيح بأن غضبه العارم تحول الى خوف على مرّ الزمن. خوف من الجزائر وعليها. لذا، حمل شخصياته مرة جديدة الى حيّ باب الواد ليصوّر فيه فيلماً، تتشابك فيه مصائر شخصيات خمس، من تلك التي تجسد "المأزق الجزائري" العميق. هؤلاء الذين رمتهم ظروف الفقر والتهميش الى الحيز المديني الضيق. أظهر علواش من جملة ما أظهره، النفاق الديني المنتشر في الجزائر، وهو نفاق توسع نطاقه الإجتماعي بعد "العشرية السوداء". في أي حال، هذه ليست المرة الأولى التي ينتقد فيها هذه الظاهرة. ففي "باب الواد سيتي" نرى شخصية "بوعلام" تتسلق مئذنة لنزع مكبر الصوت، ويعود الرجل إلى النوم براحة.

يقول علواش: "في ظلّ الكثافة السكانية التي تعانيها الجزائر، بات الناس يعيشون على أسطح المباني. الأسطح باتت محتلة. حتى الكهوف محتلة. كان يمكنني أن أروي هذه الحكاية في كهف من الكهوف، لكن التصوير سيكون أكثر صعوبة".

يشتكي علواش من أوضاع الثقافة في الجزائر في زمن انعدام الوعي وهيمنة بزنس الدين على غيره من الاهتمامات. السلطة متخاذلة، الإسلاميون تجار، أما الناس فلا حول لهم ولا قوة. يروي انه، بإسم الاسلام، صارت التجارة في عزها، والبضاعة الصينية منتشرة في كل مكان. في بلد تجذر فيه الدين منذ زمن طويل، يقول بشيء من القلق كم أن الصلوات الخمس تصنع إيقاع المدينة. وعندما يقول "تصنع" يشدد على أنها تتظاهر بذلك، لأنه يرى ايضاً ان الناس يفعلون ما يريدون من أفعال شنيعة، ولا يكترثون لما تعينه الدعوة الى الصلاة. "بين صلاة وأخرى، يُمكن للمرء ان يقتل ويغتصب ويسرق بلا أي مشكلة. هؤلاء المؤذنون بأصواتهم العنيفة المسجلة على كاسيتات، تجعل المباني تهتز أحياناً، وليس سراً القول أنهم يضايقون الناس، لكن الناس لم يعودوا يهتمون، ذلك أن المسألة دخلت في العادات والتقاليد. لستُ متديناً، لكن أهلي كانوا متدينين، وكانوا يعتبرون الدين مسألة شخصية. كان والدي يصلي من دون أن يزعج احداً. أنا لستُ ضد هذا النوع من التدين".

يحكي علواش أنه في حقبة الاستقلال، كان كلّ جزائري ينادي الآخر بـ"الأخ"، وكانت هناك وطنية وكل اشكال التنظير في الحرية وحقوق الانسان. بعد نصف قرن، يشعر بالخيبة، وهذا كله في بلد غالبية سكانه من الشباب. وهؤلاء لا يملكون الا الانتظار، لا هو ولا غيره يعرف ماذا ينتظرون. بعضهم لا يتحمل هذا الانتظار، فيهاجر. وهناك أساليب مختلفة للهجرة، هناك الحراقة، وهناك الهجرة من طريق الشهادة الجامعية التي تتيح لحاملها ان يهاجر الى كندا مثلاً. "هذا كله لأن العيش في الجزائر أشبه بالوقوع في مأزق، فالنفي المتواصل للجزائريين لا يحدث بسبب الفقر والبؤس، انما بسبب المأزق الحياتي"، يقول علواش والأسى عالق في حلقه. فهو لا يستوعب مثلاً كيف أنه في إمكان الجزائريين التضامن من أجل لعبة كرة، ويصبحون فجأة أخوة، ويلفون أجسادهم بالعلم الجزائري، وبعد ثلاثة أشهر، يخسر المنتخب الجزائري، ويبدأ الكل بشتم الكلّ.

بالنسبة إلى علواش، أقفل الجزائريون طريقهم الى العالم العربي، وباتوا يتهكمون مما يحدث فيه، متسلحين بنوع من السخرية المبطنة أحياناً والمعلنة في أحايين اخرى. بالنسبة إليه، هذا شعور متأتٍ من اعتقادهم بأنهم سبقوا العرب في "ربيعهم" ودفعوا ما كان عليهم دفعه جراء هذا الربيع. وليس تمسكهم بالاستقرار سوى نتيجة لهذا الخوف. "كأننا نمر بحقبة نكتفي فيها بالمراقبة ونجعل الآخرين يشعرون بوجودنا بين فترة وأخرى. لكن هذا يجعلنا ننسى القضية المركزية وهي أن هناك كمّ لا يحتمل من العنف في الجزائر".
increase حجم الخط decrease