الثلاثاء 2015/06/16

آخر تحديث: 14:24 (بيروت)

سبّابة الشيخ نعيم

الثلاثاء 2015/06/16
سبّابة الشيخ نعيم
لم نلاحظ شاباً يسمع خطبته مسجلة على كاسيت في الشارع، ولم نر صورته على زجاج سيارة
increase حجم الخط decrease
على ما أذكر، إن لم تخني الذاكرة، لم أسمع في يوم من الأيام، نائب أمين عام حزب الله، الشيخ نعيم قاسم، يتحدث في أمور دينية مع أنه يحمل لقب المشيخة ويرتدي ثيابها، ويضع على رأسه عمامة بيضاء.

في كل مرة أتابعه في نشرات الأخبار، أجده بوتيرة واحدة، مواقف سياسية تتعلق باستراتجيات المنطقة، المحلية والاقليمية، سبابتة مرفوعة ونبرته عالية الى حد الصراخ، يلقي كلمات تتضمن تهديداً ووعيداً وتحذيراً، خصوصاً حين يخاطب الداخل اللبناني و"أمريكا". دائماً يتحدث بمنطق مختصره "حزب الله امامكم والبحر من ورائكم فأين المفر"، أو يقول لـ14 آذار: "خير لكم أن تقبلوا أيدينا الممدودة لنسير معا وإلا تخلفتم عن الركب"، و"أمام الفريق الآخر خيارين: إما انتخاب العماد عون رئيساً للجمهورية أو الفراغ إلى أجل غير مسمى".

لا خيارات وسطية لدى الشيخ قاسم، دائما يخير خصومه في السياسة بين خيارين كلاهما مشكلة، هو المتمرس في التحدي والحدية والعسكرة، حتى وإن كان في مناسبة حزينة لـ"حزب الله" أو عزاء أو تخرج طلاب أو تحجيب جيل جديد من الفتيات، فلهجته لا تتغير. يختلف عنه السيد حسن نصرالله الذي يسايس قليلاً في خطابه، يرفع من وتيرة لهجته أحياناً، ويخفف مرات، يصعد كثيراً، يناقض نفسه، ينكت، يمازح، يقترب من المنحى البراغماتي، يستعمل أحيانا النفس الإيماني العاشورائي، يجادل. في الحروب قد يخرج أرنباً من كمه. في كل الأحوال، يختلف من حيث الأداء عن الشيخ نعيم، وإن كانا بجوهر واحد ومصدر واحد ولهدف واحد.

فالشيخ نعيم صاحب النبرة والنارية و"الصقرية" في أحسن الظروف، أصبعه المرفوعة تتكلم أو تسبق لسان في الكلام. السبابة لسان اليد واليد لا تهدأ، لكن لا يبدو أن الشيخ يفلح في الاقناع والتواصل والتقارب مع الآخرين. كأنه لا يجيد سوى التوتير والاستفزاز. حتى داخل جمهور "حزب الله"، لا يتمتع بالشعبية. لم نلاحظ شاباً يسمع خطبه مسجلة على كاسيت في الشارع، ولم نر صورته على زجاج سيارة.

الشيخ نعيم قاسم الذي أوكلت إليه مهمة اصدار كتاب "حزب الله المنهج ـ التجربة ـ المستقبل"، يشرح رؤية "حزب الله"... في الأيام القليلة الماضية، ارتدى البدلة العسكرية والتقطت له بعض الصور مع مقاتلي "حزب الله"، قيل إنها في جرود عرسال أو القلمون. بدت البدلة كأنها تكمل نبرة الشيخ نعيم الحادة، أو تعيده إلى صورته الطبيعة المناسبة. في الصورة شيء من عُدّة المعركة الدائرة، بروباغندا لرفع المعنويات. مع كثرة "الانتصارات" وازدياد عدد القتلى والجنازات، ضاع الواقع الحقيقي في غياهب الجرود. صارت المعركة كأنها معركة صُور بعدما كانت معركة أصوات، اذ لا تنفع نبرة الشيخ الحادة مع الجماعات المسلحة في جرود القلمون والقاع. فهؤلاء ليسوا في الداخل اللبناني، ولا ينفع معهم كلام.

قبل الشيخ نعيم، كان وكيل الخامنئي في لبنان، الشيخ محمد يزبك، يرتدي البدلة المرقطة ويلتقط الصور. قبلهما أيضا راجت صور قيل إنها للسيد نصرالله في القلمون لناحية بريتال وعسال الورد. كل هذه الصور هي لرفع المعنويات وسط الخيبات والقلق والتوجس...

لا عجب أن تكون نبرة الشيخ نعيم قاسم حادة ومتطرفة ومطعّمة بحركة سبابته، ما دام أن جوقة المثقفين والشعراء والصحافيين الذين يدورون في فلك "حزب الله" و"مقاومته" يتسابقون في البحث عن لهجات حادة وأصابع مرفوعة وسلوكية متطرفة. فهم حين يحللون، فلغة سبابتهم تغلب تفكيرهم. نرى ذلك في البرامج الحوارية المتلفزة، التي شهدت الكثير من اللحظات المثيرة والمحرجة، سواء بضرب الكوؤس أو الشتم وحتى الصفع والكباش. وفي الصحافة المكتوبة، أقل تهمة توجّه لمعارضي "حزب الله" هي التخوين والتكفير، من دون أن ننسى التهديد بتكسير العظام او تحسس الرقاب.
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها