الخميس 2014/08/21

آخر تحديث: 14:46 (بيروت)

الضفة تدفع الثمن ايضاً

الضفة تدفع الثمن ايضاً
تشهد الضفة حملة اقتحامات ومداهمات يومية، تتخللها عمليات اعتقال وتفتيش عشوائي للبيوت (أ ف ب)
increase حجم الخط decrease

كانت سياسة الإبعاد القسري واحدةً من الأدوات التي استخدمها الاحتلال في قمع الانتفاضة الفلسطينية الثانية. أعوام كثيرة مضت على آخر عملية إبعاد. لا انتفاضة في الضفة اليوم، ولا "عمليات مسلحة" تنطلق من أراضيها، حتى الحراك الشعبي ما زال في مستواه الأدنى قياساً بما كان عليه في الانتفاضة الثانية، وبما يجب أن يكون عليه إزاء حجم التضحيات التي يقدمها قطاع غزة. لكن وبالرغم من ذلك، يعود الاحتلال لفرض سياسات بائدة لم تشهدها الضفة منذ فترة: هدم المنازل، والاجتياحات اليومية، وحظر التجول، والإبعاد القسري، كلها سياسات قمعية كانت بمثابة أحكام عرفية إبان الانتفاضتين الأولى والثانية، والحكم المدني للضفة والقطاع، أما اليوم فقد أصبحت أمراً واقعاً بعدما أعاد الاحتلال تكريسها من جديد، ولاسيما بعد قضية اختفاء وقتل المستوطنين الثلاثة.

آخر فصول تلك السياسات تمثل بإبعاد النائبة في المجلس التشريعي، وعضو المجلس السياسي للجبهة الشعبية، خالدة جرار، إلى مدينة أريحا، حيث أقدمت قوة من جيش الاحتلال بالأمس على اقتحام منزل النائبة التي تنشط كذلك في مجال حقوق المرأة، وسلمتها أمراً صادراً عن المحكمة الإسرائيلية يقضي بحصر نطاق تحركها ضمن محافظة أريحا شرق الضفة، وهو ما يعني إبعادها، وفرض إقامة جبرية عليها داخل المدينة إلى أجل غير محدد، بحجة أنها تشكل "خطراً على أمن المنطقة"، حسب زعم الاحتلال، وهو ما رفضت جرار التوقيع عليه، مؤكدة على أن هذا لن يثنيها عن مواصلة النضال حتى دحر الاحتلال.


وتعد سياسة الإبعاد، بشقيه الداخلي والخارجي، وحصر مناطق الحركة داخل نطاق معين، واحدة من السياسات التي كانت سائدة بكثرة في حقبة الانتفاضة الأولى حتى الثانية، إلا أنها توقفت نهائياً مع انتهاء الانتفاضة الماضية، إذ تعود آخر عملية إبعاد خارجي إلى عام 2002، عندما جرى إبعاد المحاصرين داخل كنيسة المهد إلى عدد من الدول الأجنبية، وهم في منفاهم حتى اليوم. أما عمليات الإبعاد الداخلي فقد مورست قبل أعوام قليلة بحق أعضاء حركة حماس في القدس المحتلة. فجرى نفيهم إلى مدن الضفة، وبعضهم أيضاً كانوا نواباً في المجلس التشريعي عن الحركة.


وحالياً، تشهد الضفة حملة اقتحامات ومداهمات يومية، تتخللها عمليات اعتقال وتفتيش عشوائي للبيوت، تتركز معظم تلك المداهمات في قرى وبلدات القدس المحتلة، بالإضافة إلى الخليل، ولاسيما مخيماتها، لكن آخر عمليات الاقتحام تلك كانت في مدينة نابلس شمالاً، حيث توغلت قوات الاحتلال مع ساعات فجر الخميس الأولى داخل مخيم عسكر القديم في المدينة، ما أدى إلى وقوع اشتباكات بينهم وبين مقاومين من كتائب شهداء الأقصى التابعة لحركة فتح، حسب إفادات شهود العيان في المخيم، وتلك من المرات القليلة التي تجد فيها القوات الإسرائيلية المقتحمة مقاومة مسلحة، ما أدى إلى إعطاب إحدى السيارات الإسرائيلية المدرعة. وأعقب ذلك فرض حظر تجول في بلدة حوارة قرب المخيم، وإصدار أوامر لأصحاب المحلات التحارية بالإغلاق حتى إشعار آخر.


يتزامن كل ذلك مع عمليات هدم واسعة لمنازال الفلسطينيين على امتداد الضفة. فبالأمس القريب كانت تلك العمليات تتركز في محافظة القدس تحديداً، لكنها اليوم باتت أكثر انتشاراً، ولاسيما في مناطق التماس. هدمُ منزلي المتهمين بقتل المستوطنين الثلاثة، مروان القواسمي، وعامر أبو عيشة، الذي يُذكر بعمليات الهدم الانتقامية المتبعة في الانتفاضة الثانية بحق الاستشهاديين والمطاردين، لم يكن إلا فاتحة لحملة هدم واسعة، معظم ضحاياها ليسوا مطلوبين ولا مطاردين. الأربعاء أقدمت قوات الاحتلال على هدم أربعة منازل في قرية خربة الطويل قضاء نابلس، وهي منازل معمّرة يتجاوز عمرها 100 عام، وهدمت كذلك منزلين آخرين في قرية العقبة قضاء مدينة طوباس، وسبق ذلك بيوم واحد هدم تجمعات بدوية شرق قرية الطيرة قضاء رام الله. واللافت في عملية الهدم تلك أنها، وعلى غير العادة، جرت دون إخطار ولا إنذار مسبق، ودون وجود "سبب" واضح للهدم، كعدم الحصول على الترخيص، الذي كانت تتم بموجبه معظم عمليات الهدم السابقة.


إذاً، كل تلك المعطيات تشير إلى أن الاحتلال ما زال يتعامل بالعقلية الأمنية ذاتها التي كانت سائدة في الانتفاضة الثانية، كل ذلك يحدث رغم عدم وجود أي "خطر" حقيقي في الضفة، يمكن اعتباره تهديداً على الاحتلال. كل ما تبقّى من المقاومة في الضفة مجرد جيوب صغيرة تتركز في المخيمات والقرى النائية، أما الباقي، فقد تم تفكيكه نهائياً، أو احتواؤه داخل مؤسسات السلطة، كل ذلك يؤكد حقيقة واحدة: أن الاحتلال لا يحتاج ذريعة لجرائمه.

increase حجم الخط decrease