الأربعاء 2014/12/31

آخر تحديث: 15:26 (بيروت)

بين حماقة السلطة وابتزاز واشنطن..لا أصدقاء لفلسطين بمجلس الأمن

الأربعاء 2014/12/31
بين حماقة السلطة وابتزاز واشنطن..لا أصدقاء لفلسطين بمجلس الأمن
ربما أرادت السلطة عدم إحراج الولايات المتحدة وجرها لاستخدام الفيتو فاختارت أسوأ توقيت لطلب التصويت على مشروع القرار
increase حجم الخط decrease

مشروع قرار فلسطيني آخر يتعثر في مجلس الأمن، ليستقر به الحال إلى جانب عشرات المسودات الأخرى المطوية داخل أدراج المجلس. لم يكن الفلسطينيون، بمن فيهم الساسة، ينتظرون نتيجة مغايرة، لكن السيناريو الذي حدث الليلة الماضية في مجلس الأمن كان الأسوأ بالنسبة للسلطة الفلسطينية، فمع عدم نجاحها في تحصيل تسعة أصوات لازمة لتمرير القرار، لم يكن الفيتو الأمريكي المعرقل هذه المرة.

لربما كانت الولايات المتحدة ستجد نفسها في هذا المأزق لو تأجل التصويت حتى مطلع العام المقبل، وهو موعد انضمام دول جديدة للمجلس، لكن تعجّل السلطة، وخطواتها غير المدروسة الأيامَ الماضية، ساهما في حدوث الفشل الأخير.


الصحف الإسرائيلية، بدورها، أجمعت على وصف ما جرى "بالإنجاز السياسي". المسؤولون الإسرائيليون الذين كانوا في حالة استنفار قبيل التصويت، التزموا الصمت بعد إبطال القرار، أما مندوب إسرائيل في مجلس الأمن، اسرائيل نيتسان، فقد اكتفى بتصريح مقتضب بعد خطابات مطولة للدول الأعضاء، قائلاً: "لطالما بحث الفلسطينيون عن أي فرصة لتجنب المفاوضات". مضيفاً بنبرة تهديد، وكما لو أن إسرائيل هي من تختار للفلسطينيين مصيرهم: "عندي أخبار للفلسطينيين، ليس بإمكانكم أن تتحركوا وحدكم نحو تحقيق الدولة، وأنا أحث المجلس على وضع حد لهذه المسيرة الحمقاء".


كل الأصوات التي جاءت لصالح الفلسطينيين كانت متوقعة، ربّما شكّل تأييد فرنسا مفاجأة للمراقبين، فهي لم تكن قد حسمت موقفها بعد، كما أنها عملت على إحداث تعديلات سرعان ما تراجعت السلطة عنها، لكن ما لم يكن متوقعاً هو امتناع نيجيريا ورواندا عن التصويت.


كلتا الدولتين كانتا قد صوّتتا خلال الشهر الماضي لصالح قرارين يدعمان القضية الفلسطينية، كما أن نيجيريا لم يسبق لها التصويت ضد أي مشروع قرار يتعلق بفلسطين خلال السنوات الأخيرة، بل إنها كانت من ضمن الدول المؤيدة لطلب عضوية فلسطين في مجلس الأمن عام 2011، وهو أكثر حساسية من مشروع القرار الحالي.


مصادر متطابقة في السلطة قالت إن الأخيرة ضمنت صوت نيجيريا مسبقاً، لكنّ أميركا، زبون النفط الأول لدى نيجيريا التي تمثّل بالنسبة لها أكبر شريك تجاري في أفريقيا، مارست عملية ابتزاز في اللحظات الأخيرة، ما حدا بسفيرة نيجيريا إلى الاكتفاء بتصريح مختصر، بينت فيه أن "سياسة دولتها قائمة على الالتزام بالقانون الدولي، والطريق الوحيد للوصول إلى حل الدولتين هو المفاوضات التي يجب أن تبدأ فوراً". إلى جانب ذلك، ذكرت صحيفة "يسرائيل هايوم" الإسرائيلية أن رئيس الوزراء، بنيامين نتنياهو، أجرى ثلاث محادثات هاتفية قبيل التصويت، اثنتان منها مع نيجيريا ورواندا.


لكن عند دراسة المعطيات والبدائل، يمكن الاستخلاص أن الحديث عن تعرض السلطة "للغبن" هو مجرد حجة باهتة. فالسلطة كانت تملك خيارات أفضل في متناولها، لكنها اختارت التوقيت الأسوأ، إذ لا يمكن فهم استعجال السلطة المفاجئ في طرح المشروع للتصويت، وهي التي ظلت تماطل في صياغته وتقديمه شهوراً طويلة. انتظرت السلطة كل هذه المدة ولم تطق الانتظار أياماً إضافية، ريثما يستقبل المجلس إسبانيا وفنزويلا وماليزيا وأنغولا، ومعظمها دول صديقة لفلسطين ويصعب التأثير على قرارها، ويودّع أستراليا وكوريا الجنوبية ورواندا ولوكسمبورغ، التي لم تكن أصوات معظمها لصالح القرار.


إضافة إلى ذلك، كل المؤشرات السابقة كانت توحي بأن السلطة غير جدية ومسؤولة في تحركها، فهي لم تكترث بالإجماع الفصائلي على رفض المشروع، ولم تنصت إلى الأصوات العربية التي دعتها إلى التريث حتى دورة المجلس القادمة، ولم تستغل فرصة وجود الأردن ممثلاً في مجلس الأمن، الذي كان يخوّلها إمكانية التعديل على القرار، وتأجيله، وطرحه للتصويت، متى شاءت، ما يعني أنه كان بوسعها طلب تأجيل تصويت الليلة الماضية لحظة شعورها بوجود ضغوط على نيجيريا، وهنا من المهم استحضار ما ذكرته صحيفة "يسرائيل هايوم" في خبر مقتضب قبيل التصويت، حيث نقلت عن مسؤول كبير في مكتب أبو مازن قوله إن السلطة على علم بأنها لن تتمكن من تحقيق الأصوات التسعة.


في كل الأحوال، فإن الخطوة المقبلة للسلطة تنحصر في ثلاثة مسارات: أوّلاً، إجراء تعديلات على الطلب الفلسطيني ومن ثم طرحه، وهو أمر ممكن عملياً؛ ثانياً، الانتظار حتى الانتخابات الإسرائيلية التي سيعقبها مشروع قرار فرنسي ألماني "أكثر توافقية". وثالثاً، تطبيق ما تم الاتفاق عليه في اجتماع القيادة مطلع الشهر الحالي: وهو الانضمام إلى المعاهدات الدولية، والنظر في وقف التنسيق وحل السلطة، وهو الخيار الذي من المفترض أن يتحقق بالنظر إلى تصريحات السلطة، حيث أكّد كل من مسؤول ملف المفاوضات، صائب عريقات، ووزير الخارجية الفلسطيني، رياض المالكي، الأربعاء، أن السلطة ستنضم إلى محكمة الجنايات الدولية لانتزاع حقوقها، كما أن الرئيس أبو مازن بنفسه أعلن في الجزائر قبل أسبوع أن السلطة ستدعو إسرائيل إلى تحمل مسؤولياتها كقوة احتلال في حال فشل الطلب الفلسطيني.


تأسيساً على كل ما سبق، يمكن الخروج بأحد استنتاجين: إما أن السلطة أرادت هذا السيناريو للبدء بخطوات فاعلة على الصعيد الأممي، تنتهي بحل السلطة وإنهاء الوضع القائم، أو أنها سعت إلى ذلك لتجنيب الولايات المتحدة حرج استخدام الفيتو، وإرضاء الشارع الفلسطيني بتقديم إنجازات شكلية، وفي هذه الحالة، سيكون البديل هو التوجه لمجلس الأمن بصيغة مخففة، أو انتظار مشروع توافقي، وبالتالي استمرار الوضع الراهن ودخول القضية الفلسطينية في حلقة مفرغة.


الأيام القادمة ستكون كفيلة بتقديم الإجابة، ولعل اجتماع القيادة الذي سينعقد الأربعاء لتدارس الخطوات القادمة، سيكشف الكثير من معالم السنة المقبلة.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها