الخميس 2014/09/18

آخر تحديث: 13:50 (بيروت)

أردوغان.. فارس تركيا الجديدة

أردوغان.. فارس تركيا الجديدة
يسعى أردوغان إلى تقريب الأتراك من تاريخهم الإسلامي
increase حجم الخط decrease
مئوية الدولة التركية قادمة. وأردوغان، يجهز نفسه ليكون امبراطوراً متوجاً على عرشها عام 2023. فها هو خاض سباقاً رئاسياً انتهى بفوزه كحصان جامح، يقود عربة بلاده بكل ما أوتي من قوة. يحارب تركيا القديمة، بما تحمله من أشباح الكيان الموازي، المتغلغل في مفاصلها، والحامل للدولة العميقة، سواء في شقها العسكري المتمثل في الدور الخفي لبعض أوساط الجيش، أو في شقها المدني المتمثل في بعض التنظيمات التي تعمل في الظل، لاسيما حركة "الخدمة"، بزعامة فتح الله غولن، بدعم أميركي وغربي كبير للإطاحة بمشروع تركيا الجديدة، بكل ما تحمله من حضارة تهدد الكيانات القوية في العالم، والتي يعمل أردوغان على تطهير مؤسسات الدولة من نفوذها وعملائها على مدى فترة نضاله للنهوض بتركيا.


بموازاة هذا الاستحقاق، يناضل أردوغان لإيجاد حل سياسي للقضية الكردية في تركيا. لهذا كانت حكومته أول من فاوض وبشكل مباشر زعيم حزب العمال الكردستاني الموجود في سجن" إيمرالي" منذ 15 عاماً، بعدما كانت الحكومات التركية المتتالية تصنف القضية في خانة الإرهاب فقط، من دون الاكتراث لخلق حلول لها. وبفضل ذلك، نجح أردوغان في إقناع الطرف الكردي وقف إطلاق النار والالتزام به، كما أنتجت هذه المساعي حصيلة مهمة تمثلت بدفع البرلمان التركي إلى إقرار قانون يسمح بالسير نحو إيجاد حل سياسي لهذه القضية، التي أرهقت تركيا، اقتصادياً وسياسياً وأمنياً، خلال العقود الماضية وخلّفت الآلاف من الضحايا.


من الواضح طموح أردوغان الذي لم يتوقف عند حل القضايا السياسية الداخلية والخارجية العالقة، بل تخطاها ليكون صانعاً محترفاً لبنية تحتية واقتصادية لم يسبق لها مثيل في كمها ونوعها، وسرعتها القياسية، نسبة لحضارة باقي الدول.  فقد نجح أردوغان خلال سنوات حكمه، سواء كرئيس لبلدية اسطنبول وبعدها كرئيس لحزب العدالة والتنمية، في مضاعفة دخل الفرد ثلاث أضعاف تقريباً، وخفّض مستوى البطالة إلى قريب من الصفر، مع نمو اقتصادي ضخم وضع تركيا في صدارة الدول الكبرى.


خلال الانتخابات الرئاسية التي جرت في آب الماضي، سخر أردوغان من لجوء منافسه الأبرز ومرشح حزبي الشعب الجمهوري والحركة القومية أكمل الدين إحسان أوغلو إلى تخفيض سقف طموحات الشعب التركي وحصرها في حاجات أولية كانت من مسلّمات إصلاحات أردوغان. فكانت حملته الانتخابية بمواجهة أردوغان هي " لأجل الخبز ..أكمل الدين"، فكانت سخرية أردوغان موجهة للمعارضة العلمانية بشكل عام، متهماً إياهم بتجاهلهم الرخاء الاقتصادي والتطور الاجتماعي والسياسي والتقني المذهل في تركيا الآن.


"تركيا جديدة 2023".. شعار أردوغان الذي دشن به حملته الرئاسية والذي حمل بين ثناياه ملامح جمهوريته الجديدة، التي يسعى إلى إرساء دعائمها بعد تعظيم صلاحيات رئيس الدولة، والبقاء لمدتين رئاسيتين، كلٌّ منهما خمس سنوات بعد انتخاب الشعب لرئيسه للمرة الاولى بالاقتراع العام المباشر، حيث يعتبر أردوغان هذا الإجراء بمثابة خطوة أولية جوهرية على طريق تركيا الجديدة، الأكثر ديموقراطية ومؤسسية، والتي تحقق مبدأ توكيد السيادة للشعب، متلازمة مع توسيع دائرة صلاحيات الرئيس من منصب فخري إلى آخر أكثرعملية وتأثيراً في الواقع التركي المعاش.


يبحث أردوغان من خلال توليه منصب رئيس الجمهورية التركية إدخال تعديل دستوري محدود يعيد توزيع السلطات بين رئيس الحكومة ورئيس الجمهورية، وذلك من خلال إحدى آليتين: أولاهما، إجراء استفتاء شعبي، وثانيتهما، تمريره عبر البرلمان بعد أن يفوز حزب العدالة بـ330 مقعداً في الانتخابات البرلمانية المقبلة بما يخوله توفير أغلبية لتعديل الدستور وتغيير النظام البرلماني إلى نظام رئاسي، تدمج فيه صلاحيّات رئيس الوزراء مع صلاحيّات رئيس الجمهوريّة. أو نظام شبه رئاسي، يصبح فيه منصب رئيس الحكومة خاضعاً لإرادة رئيس الجمهورية، من دون الحاجة إلى تحالفات مع الكتل البرلمانية لأحزاب أخرى أو إجراء استفتاء شعبي غير مضمون النتائج.


ومن غير المعقول في ظل سعيه لدعم القضايا الإسلامية المستهدفة في العالم أن لا يقوم أردوغان بالتخفيف من مبالغة العلمانية الأصولية الأتاتوركية المتطرفة، المعادية للدين والقوميات غير التركية، وأن لا يقوم بتحويلها إلى علمانية غير معادية للدين أو القوميات الأخرى في محاولة لتقريب الاتراك من تاريخهم الإسلامي، الذي عمل أتاتورك على تهميشه وتغييبه لإسقاط الدولة العثمانية، وبناء تركيا علمانية تواكب الغرب وليس الشرق.


وفي ظل كل هذه الخطوات، يهتم أردوغان بإبقاء الجيش بعيداً عن السياسة. تجلى ذلك في الحياد الذي مارسه الجيش خلال الانتخابات الرئاسية الأخيرة وعدم تدخله في أي من المشاحنات الحاصلة بين أنصار كل الأطراف، إذ أن مهام الجيش تنحصر وبشكل ضيق جداً وفقاً للدستور، إلى حماية الوطن و الجمهورية تجاه التهديدات والأخطار الخارجية، والسعي إلى تدعيم القوة العسكرية لتكون رادعة للأعداء ومرسية للسلام فقط. كل هذه الانجازات لأردوغان لا تمنع معارضيه من رعب يتملكهم من ولادة دولة معاصرة ومحافظة بقيادته.

increase حجم الخط decrease