الأربعاء 2015/07/08

آخر تحديث: 11:10 (بيروت)

قانون الإرهاب الجديد في مصر.."مَلّواني" لا يعرف أسلوباً آخر

الأربعاء 2015/07/08
قانون الإرهاب الجديد في مصر.."مَلّواني" لا يعرف أسلوباً آخر
نعم "إلحاق الضرر بالبيئة" عمل إرهابي جداً حسب القانون (أ ف ب)
increase حجم الخط decrease
بلهجة غاضبة، ووجه عابس تخفيه نظارة سوداء، أصدر الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي، توجيهاته خلال جنازة النائب العام: "يد العدالة الناجزة مكبلة بالقوانين.. وإحنا مش هنستنى على ده".

على الفور استجابت الحكومة، وأقرت في اليوم التالي قانون "مكافحة الإرهاب"، لكن إصدار الرئيس له مازال معلقاً، بعد أن جاءت المعارضة من حيث لا يحتسب: الصحافيون، ومجلس القضاء الأعلى.


في البدء كانت "الكَروَتة"

يستخدم المصريون كلمة "الكروَتَة" للدلالة على السرعة وعدم الإتقان، واستغفال صاحب العمل.

هذه هي الكلمة الوحيدة المناسبة لوصف ما حدث في جلسة الحكومة، في 1 تموز/يوليو، حيث تم "كروتة" نصف دستة من القوانين الهامة بشكل مفاجيء.

وافقت الحكومة على مشاريع وتعديلات قوانين: "مكافحة الإرهاب" وتقسيم دوائر الإنتخابات ومباشرة الحقوق السياسية وأحكام المحكمة الدستورية والأراضي الصحراوية والتأمين الصحي، وفوق كل ذلك أقرت الحكومة أيضاً الموازنة العامة الجديدة المتأخرة عن موعدها حوالي شهرين!

لا مجال للتساؤل هنا عن متى ناقشت الحكومة كل ذلك؟ وما هي الثغرات الدستورية المحتملة في القوانين؟ ولو كان إصدار القوانين ممكناً بهذه السهولة والسرعة فلماذا لم يفعلوا ذلك من البداية؟


القانون في خدمة القمع

كيف واجه مبارك إرهاب الثمانينات والتسعينات دون قانون إرهاب؟ هذا هو السؤال البديهي الذي يطرح نفسه حين نشاهد هوس مؤيدي النظام الحالي بهذه القضية، كأن "الإرهاب" اختراع حديث اكتشفناه منذ أيام.

ببساطة هناك بالفعل المادة 86 من قانون العقوبات الخاصة بالإرهاب، والذي لم يُقصّر "تَرَزيّة" القوانين القدامى في وضع جميع الصياغات العامة المفتوحة بها، لتصلح للتطبيق على أي شيء، وهذه هي المادة التي استندت إليها حكومة الببلاوي لإعلان الإخوان جماعة إرهابية.

"الإرهاب" هنا هو كل عنف أو تهديد أو ترويع يهدف إلى "الإخلال بالنظام العام أو تعريض سلامة المجتمع وأمنه للخطر، إذا كان من شأن ذلك إيذاء الأشخاص أو إلقاء الرعب بينهم أو تعريض حياتهم أو حرياتهم أو أمنهم للخطر، أو إلحاق الضرر بالبيئة أو بالاتصالات أو المواصلات أو بالأموال أو بالمبانى أو بالأملاك العامة أو الخاصة أو احتلالها أو الاستيلاء عليها، أو منع أو عرقلة ممارسة السلطات العامة أو دور العبادة أو معاهد العلم لأعمالها، أو تعطيل تطبيق الدستور أو القوانين أو اللوائح".

نعم "إلحاق الضرر بالبيئة" عمل إرهابي جداً حسب القانون!

ومع ذلك شعر النظام الحالي أن هذا غير كافٍ، فصدر في شباط/فبراير 2015 "قانون الكيانات الإرهابية"، والذي يُلزم النيابة العامة بإصدار قائمة بأسماء الكيانات الإرهابية، وقائمة أخرى بأسماء الإرهابيين، رغم أن هذا كان يحتاج حكماً قضائياً في السابق.

احتوى القانون على تعريف أكثر مطاطية للإرهاب، فنص على أن الكيان يُعتبر إرهابياً إذا "دعا بأي وسيلة كانت إلى...."، وهذا يوسع المعنى ليشمل الوسائل السلمية، ما أدى لإصدار 21 منظمة حقوقية مصرية بياناً مشتركاً يرفض القانون، ويعتبره تسهيلاً لوسم الأحزاب والمنظمات الحقوقية بالإرهاب.

ورغم هذه الترسانة القانونية القوية، ورغم أن العدالة بعد 30 حزيران/يونيو أصبحت ناجزة جداً، فأصدر 6 قضاة فقط أحكامهم في 26 قضية سياسية، أغلبها لم يستغرق أكثر من 4–8 شهور، بحسب تقرير أعده الزميل محمد جمعة لجريدة الشروق. لكن الرئيس مازال يشكو من بطء يد العدالة بسبب القوانين، إذاً فلنمنحه قانوناً مهيباً جديداً: "قانون مكافحة الإرهاب".


لا صوت يعلو فوق صوت "مفيد شهاب"

"قانون مكافحة الإرهاب الجديد من إعداد مفيد شهاب"، هكذا صرّح ببساطة، عضو لجنة الإصلاح التشريعي، وأمين عام مساعد اتحاد المحامين العرب، صابر عمار.

ومفيد شهاب هو أحد أبرز رموز نظام مبارك، وزير المجالس النيابية والشؤون القانونية الأسبق، المعروف بكونه أحد عمالقة الفئة التي يطلق عليها المصريون "ترزية القوانين". وطبعاً من الحماقة هنا التساؤل عن جدية الرئيس السيسي في حديثه المتكرر عن ثورة يناير، وأنه "لا عودة للوراء".

يتميز القانون بالمزيد من توسيع نطاق الجرائم، والمزيد من تشديد العقوبات إلى حد أن الإعدام هو سقف عقوبة 12 جريمة تشمل "كل من أنشأ أو أسس أو نظم أو أدار جماعة إرهابية أو تولى زعامة أو قيادة فيها"، ومن قدّم "التمويل لجماعة إرهابية أو عمل إرهابي". وإذا تذكرنا أن الجماعة الإرهابية قد يتوسع تعريفها إلى حركة معارضة شبابية، وأن "العمل الإرهابي" قد يكون الإضرار بالبيئة، نفهم مدى رعب هذه المواد.

كما أتاح القانون للمرة الأولى حق القاضي في "تدابير" إضافية خلال 5 سنوات بعد فترة العقوبة، تشمل "تحديد الإقامة أو حظر التردد على أماكن معينة أو الإلزام بالتواجد فى أماكن معينة بأوقات محددة، وحظر العمل فى أماكن معينة وأنشطة محددة، وحظر استخدام وسائل اتصال معينة".


خطر على الصحافة

فوراً دقت أجراس الخطر عند الصحافيين، فالقانون تحتوي خمس من مواده على عبارات قد يتم استخدامها ضد الصحافة، أوضحها وأهمها هي المادة 33، التي تنص على أنه "يُعاقب بالحبس الذى لا تقل مدته عن سنتين، كل من تعمّد نشر أخبار أو بيانات غير حقيقية عن أي عمليات إرهابية بما يخالف البيانات الرسمية الصادرة عن الجهات المعنية".

وكانت شخصيات محسوبة على النظام قد هاجمت الصحافة المصرية بشدة، بعدما نقلت أخباراً من الصحافة العالمية أثناء عمليات سيناء، ومنها أعداد شهداء أكبر من الرقم الرسمي، وتفاصيل لم يذكرها البيان الرسمي. وألمح الرئيس السيسي إلى ذلك أثناء زيارته إلى سيناء قائلاً للجنود أنهم يواجهون "حروب الجيل الخامس التي تتخذ من وسائل الإعلام وتكنولوجيا الاتصالات الحديثة وسيلة لزعزعة الثقة لدى الشعوب وبث بذور الفتنة وعدم الاستقرار".

المادة 27 مرعبة أيضاً، فهي تنص على أنه "يعاقب بالسجن المشدد مدة لا تقل عن خمس سنين، كل من أنشأ أو استخدم موقعاً على شبكات الاتصالات أو شبكة المعلومات الدولية أو غيرها من وسائل الاتصال الحديثة، بغرض الترويج للأفكار أو المعتقدات الداعية إلى ارتكاب أعمال إرهابية، أو لبث ما يهدف إلى تضليل السلطات الأمنية، أو التأثير على سير العدالة فى شأن أي جريمة إرهابية".

أصدرت نقابة الصحافيين بياناً صارماً ضد القانون، وأكدت أنها لن تتنازل عن مكتسبات نضالها الطويل منذ أيام مبارك وعلى رأسه إلغاء الحبس في قضايا النشر، وأعلن رؤساء تحرير أبرز الصحف المصرية: "المصري اليوم" و"الشروق" و"الوطن"، رفضهم القاطع لذلك. وكرروا مواقفهم عبر الصحف والفضائيات مع التأكيد على أنهم ملتزمون بدعم الدولة ضد الإرهاب وأن مواقفهم تشهد لهم.

لكن من قال أن السيسي يريد ما يعرفه العالم بـ"مهنة الصحافة" أصلاً، حتى لو كانت داعمة له؟

السيسي الذي طلب من الصحافيين سابقاً أن يكون دور الصحافة هو "الهمس في أذن المسؤول"، والذي انتقد عنواناً منخفض السقف "منورة يا حكومة"، والذي قال إن عبدالناصر كان محظوظاً بإعلامه، لا يرغب في شيء أكثر من إعلام ينشر البيانات العسكرية ويطبل لها فقط، إعلام النكسة.


وخطر على القضاء أيضاً

مجلس القضاء الأعلى بدوره فاجأ الجميع واعترض على جميع القوانين الخاصة بالنظام القضائي المتعلق بالإرهاب.

حسب المذكرة التي نشرتها "الشروق" فقد اعترض المجلس على عبارة "سلطة التحقيق" الغامضة المتكررة في القانون، وطلب استبدالها بعبارة "قاضي التحقيق". أهمية النقطة أن "سلطة التحقيق" لها صلاحيات واسعة في القانون، على رأسها الإذن بتفتيش المنازل و"مراقبة وتسجيل المحادثات والرسائل التي ترد على وسائل الاتصال السلكية واللاسلكية".

الاعتراض الثاني هو رفض اعتبار الحكم حضورياً بمجرد حضور وكيل عن المتهم حسب المادة 50، وهي صيغة مطاطة قد تسمح للمحكمة باختيار هذا الوكيل عبر انتداب محامٍ له، لذلك طلب المجلس التعديل إلى نص واضح "إذا أوكل المتهم مدافعاً عنه وقدّم سند الوكالة وحضر وترافع فى الدعوى".

والاعتراض الثالث هو تعديل مواعيد الطعن على الأحكام المتعلقة بالإرهاب، ليصبح تقديم الطعن جائزاً أمام محكمة النقض خلال 60 يوماً وليس 40 يوماً كما ورد فى المشروع.
والاعتراض الرابع هو أن المجلس ارتأى حذف المادة 52 من المشروع نهائياً، والتي توجب على محكمة النقض أن تفصل بنفسها فى موضوع القضية إذا قبلت الطعن على الحكم وألغته، ورأى الاكتفاء بالنص الحالي الذي يترك للمحكمة خيار الحكم أو إعادته للجنايات.

الاعتراض الخامس هو رفض إنشاء محكمة مختصة بجرائم الإرهاب، حيث رأى الاكتفاء بالوضع الحالي بتخصيص دوائر للإرهاب فى كل محكمة.

أما الاعتراض الوحيد بشأن العقوبات فكان على المادة الرابعة التي تنص على معاقبة المحرضين على الجريمة الإرهابية "بذات العقوبة المقررة للجريمة التامة"، ورأى المجلس وضع عقوبة محددة هي "السجن المشدد الذي لا تقل مدته عن 10 سنوات".


لغز القانون السحري

في عام 1997 وقعت إحدى أكبر العمليات الإرهابية في مصر؛ مذبحة الدير البحري، التي قَتَل فيها إرهابيون عشرات السوّاح في الأقصر.

زار الرئيس الأسبق مبارك المكان، وأمام الجميع وبخ وزير الداخلية وأهانه، ووصف ما حدث بأنه "تهريج أمني"، ثم أقاله في مكانه وعاد للقاهرة بدونه.

للأسف تبدو تصرفات مبارك عاقلة إلى حد كبير مقارنة بالنظام الحالي، الذي يعيش حالة شغف بتوجيه اللوم دائماً للإعلام وللقوانين، لا نحلم طبعاً بأن يراجع توجهاته السياسية الدافعة باستمرار نحو المزيد من التوتر، لكن على الأقل يمكنه الاقتداء بمبارك ليلوم من يستحق انتقاده المباشر فعلاً: عدم الكفاءة الأمنية.

يعتبر قطاع واسع من أنصار السيسي أن "القبضة الحديدية" للدولة هي الحل، وأثناء حديث السيسي، سُمِعَ صوت أحد الواقفين يقول له "عايزين إعدامات يا ريس".

حسناً، ستفرضون أشد القوانين جنوناً، وربما تنفذون بعض الإعدامات بالفعل لقادة الإخوان، ثم ماذا؟ ما هو سبب الافتراض أن هذا هو الحل السحري الذي سيحل بعده السلام والوئام في مصر؟

في مسرحية مدرسة المشاغبين ينصح عادل إمام المُدرِّس علام المَلّواني، قائلاً: "كل ما تتزنق اقلع"، وبالمثل هناك من ينصح النظام الحالي "كل ما تتزنق أصدر قانوناً".

في المسرحية اقتنع الملواني تماماً بالنصيحة، لأنه ببساطة متخلّف عقلياً.
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها