السبت 2017/03/25

آخر تحديث: 14:00 (بيروت)

الطبقة مدينة أشباح.. و"داعش"شركة مساهمة قد تخلي الرقة

السبت 2017/03/25
الطبقة مدينة أشباح.. و"داعش"شركة مساهمة قد تخلي الرقة
الطريق بين الطبقة والرقة مكتظ بآلاف السيارات وعشرات الآلاف من النساء والأطفال والرجال ممَنْ تقطعت بهم السبل (أ ف ب)
increase حجم الخط decrease
تفيد شهادات سكان محليين في مدينتي الرقة والطبقة، أن مدينة الطبقة تحولت إلى مدينة أشباح بعدما هجرها سكانها، وهاموا على وجوههم في البراري والطرقات المؤدية إلى الرقة والقرى القريبة منها. كما سحب تنظيم "الدولة الإسلامية" معظم حضوره العسكري والأمني من الطبقة، التي تركز عليها قصف قوات "التحالف الدولي" خلال الأسبوع الماضي، وشهدت دماراً هائلاً في عمرانها وتوقف كل الخدمات والمرافق العامة. واستهدف قصف طائرات "التحالف" معظم المباني الحكومية ذات الأقبية داخل المدينة.

وتأتي هذه التطورات، بعد تحضيرات وتصريحات دولية، كان آخرها من فرنسا، باقتراب معركة الرقة، بالاعتماد على طيران "التحالف الدولي" بقيادة الولايات المتحدة، وعلى قوات برية تتضمن بشكل حصري "قوات سوريا الديموقراطية" التي تشكل "وحدات حماية الشعب" الكردية عمودها الفقري. إصرار المتحدثين الأميركيين باسم "التحالف" على وصف القوات البرية بأنها تتألف بنسبة 75 في المئة من المقاتلين العرب، هو كلام للتسويق، يناقض الوقائع، فالقوات العربية مستثناة من معركة الرقة، ما يُنذر بصراعات لن تنتهي ستعقب استيلاء المقاتلين الأكراد على المدينة.


(المصدر: LM)

في المقابل، أخلى تنظيم "داعش"، الخميس، سجنه في مدينة الطبقة -يقع في قرية الطبقة، وليس في المدينة الحديثة للطبقة، حسب التقسيمات والتسميات المحلية- من المعتقلين، بحسب ما قالت والدة أحدهم. التنظيم فرض مبلغاً مالياً مقابل إطلاق سراح أي معتقل ممن حضر ذووه لاستلامه. في حين أطلق بقية السجناء من دون فدى. لكن الغموض يكتنف مصير بقية السجناء في سجني مطار الطبقة المخصص للسجناء من عناصر "داعش" ممَنْ ارتكبوا جرائم أو مخالفات أثناء عضويتهم في التنظيم، وسجن سد تشرين الذي يُعد من أقسى معتقلات التنظيم في محافظة الرقة.

ويفيد شهود عيان من المنطقة بأن الطريق بين الطبقة والرقة مكتظ بآلاف السيارات وعشرات الآلاف من النساء والأطفال والرجال ممَنْ تقطعت بهم السبل، منهم جرحى ومرضى ومصابون، يسيرون بلا وجهة محددة، فيما تتناثر على جانبي الطريق سيارات محترقة بفعل القصف. حال الطبقة الذي يُمكن وصفه بالكارثة الإنسانية، يشير أيضاً إلى أن تنظيم "داعش" قد انتهى في تلك المدينة عسكرياً وإدارياً، وحتى في حضوره السياسي، فيما لا تزال قوات برية أميركية ومجموعات من "وحدات حماية الشعب" الكردية في مواقع في جعبر والكرين والمشيرفة والمحمية والجهة الشمالية من السد، ترابط في أماكنها من دون أن تتقدم لاقتحام الطبقة، خشية الوقوع في كمائن اعتاد التنظيم نصبها قبل انسحابه من أي منطقة تحت سيطرته، لزيادة حجم الخسائر البشرية في صفوف خصومه وتأخير وصولهم قدر المستطاع.

والحال في بلدة الكرامة مشابه تقريباً لحال مدينة الطبقة، إذ أصبحت أيضاً بحكم الساقطة عسكرياً بعدما سيطرت "وحدات الحماية" على ثلاثة أرباعها، وتشهد قتال شوارع، فيما تحاول قوة من "قوات سوريا الديموقراطية" التوجه نحو الجركة القريبة لقطع طريق الرقة-الكرامة، والتوجه لاحقاً نحو تجمع قرى الحمرات؛ وأولها حمرة بلاسم، المتصلة عمرانياً بمدينة الرقة من جهة الشرق، والواقعة جميعها بين السهل النهري الضيق في جنوبها وطريق الرقة-ديرالزور الذي يخترقها من جهة الشمال.

أما داخل مدينة الرقة، فبدأ السكان يستشعرون وَهنَ قبضة "داعش"، وبدأت تنتشر عصابات السرقة وكسر أقفال وأبواب المحلات التجارية ليلاً. وبدأت أيضاً حركة خروج كوادر التنظيم البشرية، خاصة بعد إخلاء المشفى الوطني من معداته وطواقمه ونقل تلك المعدات ومَنْ يرغب من الكادر البشري إلى مناطق الميادين والبوكمال. كما بدأ السكان المحليون يشعرون باختفاء الوجوه الغريبة لمقاتلي التنظيم الأجانب من شوارع الرقة، وغياب الحضور المخيف والمزعج لعناصر "الحسبة" في شوارع المدينة.

هذه المشاهدات والمعطيات، إن أُخذت جملة، تُشير إلى قرب نهاية التنظيم وسطوته في محافظة الرقة كلها، وإلى احتمال حدوث مفاجآت يمكن أن تظهر خلال الأيام القليلة القادمة، قد يكون خروج التنظيم من داخل مدينة الرقة من دون قتال جدي، هو أهمها. لكن تضعضع بنيان التنظيم بهذه الطريقة الدرامية يبدو للمتابعين نتيجة منطقية أيضاً لافتقاره لقدرات عسكرية حقيقية، بشرية وتسليحية، ولعداء البيئات الاجتماعية التي خضعت لقيمه وأساليب العيش التي عمل على فرضها عليها، والتي تتنافر مع قيم وتقاليد هذه المجتمعات.

يصف أحد نشطاء الرقة، في حديثه لـ"المدن"، "داعش" الذي اعتقله لشهور، بـ"الشركة المساهمة المغفلة" تُساهم فيها "أجهزة مخابرات دولية وقوى محلية معادية للثورة، لكنها تُخفي اسماءها ومساهماتها عنّا نحن السوريين"، في إشارة إلى أن التنظيم قام بدوره في إحباط الثورة السورية وتفتيت النسيج الوطني السوري واستعداء قوى دولية حصرت اهتمامها تجاه الأوضاع في سوريا في "محاربة الإرهاب" ليقتنص أصحاب المصالح والمشاريع الضيقة فرصة ما كانت لتتاح لولا "داعش".
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها