الثلاثاء 2015/04/28

آخر تحديث: 14:49 (بيروت)

آخر فصول "المكايدة السياسية" المصرية: مبارك يَعِظ

الثلاثاء 2015/04/28
آخر فصول "المكايدة السياسية" المصرية: مبارك يَعِظ
ومعانا مداخلة تليفونية من الرئيس الأسبق محمد حسني مبارك (أ ف ب)
increase حجم الخط decrease
من خارج التاريخ أتى صوت الرئيس المخلوع حسني مبارك، ليُضيف المزيد من الإبهار إلى الوسط السياسي المصري الذي لا تنفذ عجائبه. لم يقل مبارك كلمة واحدة جديدة، لكن بعض الأمور لا تحتاج أن تقال كي تُفهم.


حكايات مبارك المٌكررة

كان المذيع أحمد موسى، المعروف بعدائه الصريح للثورة، يحتفل بذكرى عيد تحرير سيناء، حين قال فجأة "ومعانا مداخلة تليفونية من الرئيس الأسبق محمد حسني مبارك"، كأنه سلوك اعتيادي للغاية.

بدأ مبارك حديثه بتهنئة الشعب المصري، ثم بدأ حديثاً طويلاً دون أن يسأله المذيع، عن تاريخه الشخصي. في البداية أعاد رواية القصة التي حكاها مراراً عبر سنوات، أنه رأى طيارته يتم تدميرها على الأرض من الطيران الإسرائيلي في العام 1967، وأنه شعر وقتها بالمهانة وقرر الثأر، وتمكن من ذلك في حرب أكتوبر.

ثم يصل إلى محطة إكمال تحرير سيناء بمفاوضات استعادة "طابا"، والتي تحتفظ ذاكرة المصريين بمشهد رفع مبارك للعلم عليها، والذي تتم إذاعته كل عام في مثل هذه الأيام، على خلفية أغنية "سينا رجعت كاملة لينا، مصر اليوم في عيد".

تحدث مبارك تفصيلياً عن هذه النقطة: "إسرائيل كانت تحاول أن تراوغ بكل الصور كما تفعل مع الجولان، وأن تحتفظ بطابا بحجة أنهم يمتلكون فندقاً هناك، وهو على مساحة كيلو متر فقط". وأعاد قصة وقوفه بصرامة في وجه هذه المراوغة، وأنه اختار طريق التحكيم القانوني الدولي، وانتظر أربعة أعوام حتى صدر الحكم لصالح مصر.


مبارك يَعِظ: ساعدوا السيسي

لم يشأ مبارك أن ينهي حديثه بغير توجيه بعض النصائح بطريقته الأبوية المعهودة، وهو الذي ظل إعلامه طيلة عهده يتغنى بـ"حكمة الرئيس التي يستمع لها رؤساء العالم".

وجّه حديثه للشعب المصري، وطلب منه الوقوف بجانب السيسي و"قيادته الحكيمة". ما زال مبارك يحب ذكر الحكمة!

وكرّر مطالبته القديمة، والتي يكررها مسؤولو الدولة المصرية حتى الآن، للشعب بأن يعمل: "لازم كلنا نشتغل، مافيش رئيس يقدر يشتغل لوحده للعبور من مصر من المرحلة الصعبة المعقدة".

وربما كانت النقطة الوحيدة التي لم يكن يذكرها في خطاباته القديمة هي توجيهه النصيحة للإعلام المصري قائلاً: "الإعلام عليه مسؤولية كبيرة فى ظل حملات التشويه والتزييف، وعليكم أن تشرحوا المواقف وتاريخ بلدنا، علشان نعيش بعزة وكرامة".


خطاب عاطفيّ جديد

أسلوب ومحتوى هذه المداخلة شبيه بأسلوب مبارك في ما عُرف باسم "الخطاب العاطفي"، الذي ألقاه في 1 شباط/فبراير 2011، وأعلن فيه أنه لن يترشح لفترة أخرى، وتحدث طويلاً عن تاريخه العسكري، وقال إنه يريد أن يُدفن في مصر، كما أن ذلك يتشابه أيضاً مع حديثه أمام هيئة محاكمته.

كأنه هو نفسه يعرف أن موقفه أضعف إذا كان موضع النقاش هو إنجازات حكمه الطويل الفاشل، فاختار -هو أو من نصحه- طريقة المزايدة العاطفية والوطنية، محاولاً التأثير على عواطف المصريين بالحديث عن تاريخه.


مبارك بين مداخلتين

هذه هي المداخلة الهاتفية الثانية التي يجريها مبارك. الأولى كانت أيضاً مع المذيع ذاته، في المحطة ذاتها، في 29 تشرين ثاني/نوفمبر 2014، يوم صدور حكم ببراءة مبارك في قضية قتل المتظاهرين، وهي أصعب قضاياه والتي كان قد نال عنها حكماً بالسجن المؤبد من أول درجة.

كان واضحاً من المداخلة الأولى عدم ترتيبها المسبق، مبارك صوته ضعيف ومرتبك، ويتحدث بعبارات مبتورة للغاية، نفى إعطاءه تعليمات القتل، ورد على سؤال المذيع برأيه في 25 يناير، بقوله "والله اللى شوفته فى 25 يناير عينك ما تشوف إلا النور، مقدرش أتكلم عنه في التليفون". وردّ على سؤال آخر إن كان يقصد الأميركيين بقوله أن هناك من "قلبوا عليه" بعبارة لا تقل إرتباكاً: "والله أنا مقدرش أقولك أميركان أو حاجه، مقدرش أخش على حاجه".

لم تستغرق تلك المداخلة أكثر من دقيقتين، ثم أخذ المحامي فريد الديب، الهاتف من مبارك ليستكمل الحديث مع موسى، وكان من اللافت أن موسى خاطب مبارك بعبارة "السيد الرئيس"، وكأنه ما زال يحكم.

المداخلة الثانية مختلفة تماماً، موسى يخاطب مبارك بعبارات محايدة "حضرتك، سيادتك"، ولا يسأله أي أسئلة جدلية، ومبارك يتحدث عبر 14 دقيقة بصوت ثابت وبفقرات مرتبة، بلهجة قريبة للغاية من أسلوب خطاباته الرتيبة القديمة، من الواضح أن هذا النص قد تمت كتابته مسبقاً، وتم الاتفاق على كل ما فيه.


"المكايدة" مستمرة

على امتداد السنوات القليلة بعد الثورة، شهد الوسط السياسي المصري ما يمكن أن نسميها ظاهرة "المكايدة السياسية"، وهي إعادة إحياء معارك قديمة كل فترة، وبدء حالة حادة من التراشق بين الطرفين.

مثلاً يتكرر ذلك كل عام في ذكرى الثورة، بين أنصار مبارك وأنصار الثورة، وفي ذكرى أحداث "محمد محمود" في تشرين ثاني/نوفمبر 2011. ويتبادل الإخوان وشباب القوى المدنية اللوم والسُباب، وبالمثل في ذكرى الإطاحة بمرسي بعد مظاهرات 30 حزيران/يونيو، وقد يأخذ الأمر أشكالاً استفزازية، كتعمد "أبناء مبارك" تقبيل صوره أمام الكاميرات بهستيريا.

المذيع أحمد موسى يعتبر بمثابة بطل لدى معارضي الثورة، فالرجل الذي كان مندوباً لصحيفة "الأهرام" الحكومية في وزارة الداخلية، هو الأعلى صوتاً في الإعلام حالياً ضد الثورة، وقناته "صدى البلد" هي الأكثر انحيازاً لهذا الخط منذ افتتاحها، وكانت الوحيدة التي نالت حق البث الحصري المباشر لجلسات محاكمة مبارك. دأب موسى على استفزاز أنصار الثورة بأشد العبارات حِدة، من نوع "اللي يقولك الثورة مستمرة قوله عند خالتك"، أو "هكشف كل من شارك في مؤامرة 25 يناير حتى آخر يوم في حياتي". لذلك تبدو مداخلة مبارك حلقة في هذه المعركة الدائمة، ونالت احتفاءاً كبيراً من أنصار المخلوع.

أثارت مداخلة مبارك غضب مؤيدي الثورة بطبيعة الحال، وامتلأت مواقع التواصل بالرفض والاستنكار. مدير "الشبكة العربية لحقوق الإنسان" المحامي جمال عيد، قال: "مبارك فاسد وديكتاتور، ولو طلعوه في 100 تليفزيون، ولو وصفوه بالتقوى ومدحه الملايين كدابين و حيفضل مع الفاسدين".

قطاع واسع من أنصار الثورة اعتبر معركة مبارك ما زالت مفتوحة، فالتاريخ القريب عنوان للحكم على الحاضر الحالي. وكان من اللافت أن المحامي البارز ناصر أمين، رئيس لجنة الشكاوى في "المجلس القومي لحقوق الإنسان"، وهو هيئة حكومية بطبيعة الحال، كتب "ظهور مبارك في تلك المناسبة وفي هذه القناة ومع هذا الإعلامي، يعد رسالة بالغة الدلالة، وقد أوصلت بوضوح أساس المشروعية الجديدة".


مجرد "حلاوة روح"

عدد من رواد مواقع التواصل الإجتماعي، تبنوا وجهة نظر أخرى، وهي أن الحديث عن مبارك أصلاً تضييع للوقت والجهد. الناشطة السياسية سميرة إبراهيم، والتي اشتهرت بعد تعرضها لكشوف العذرية على يد العسكر بعد الثورة، كتبت: "مبارك مات وانتهى من زمان، كبروا دماغكم من أي كلام".

يبدو هذا طرحاً عقلانياً أيضاً، فالرئيس المهيب الذي كانت ترتجف لاسمه أعلى المناصب والألقاب، تعرض بالفعل للسجن الطويل، وشاهدناه خلف القضبان، والآن أنصاره سعداء بمجرد مداخلة تليفونية. سواء كان القادم أفضل أو أسوأ، فالأكيد أن زمن مبارك انتهى، حتى لو كان هو ذاته، والعديد من أنصاره داخل وخارج جهاز الدولة، ما زالوا لا يدركون ذلك.
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها