الجمعة 2015/03/13

آخر تحديث: 11:39 (بيروت)

قصة معتقل هرب من سجون تنظيم الدولة الإسلامية

الجمعة 2015/03/13
قصة معتقل هرب من سجون تنظيم الدولة الإسلامية
فجاء قال أحد السجناء إن الجدار متداعٍ، ومن الممكن أن يقع فوقنا ويؤذينا، بسبب تصدعه من القصف
increase حجم الخط decrease
في أكبر فرار جماعي، هرب 90 معتقلاً، الإثنين، من أحد سجون تنظيم الدولة الإسلامية، من مدينة الباب بريف حلب الشرقي. ومن بين الهاربين مدنيون ومقاتلو معارضة مسلحة، ومقاتلون أكراد اعتقلهم التنظيم أثناء قتالهم في ريف مدينة عين العرب "كوباني" بريف حلب الشرقي.

بعد عملية الفرار، تمكن التنظيم من إعادة اعتقال عدد من الهاربين، بعد حملة دهم واعتقال في مدينة الباب وبلدة تادف القريبة منها، اللتين شهدتا حالة استنفار وانتشار لمقاتلي التنظيم وتشديداً على الحواجز. في حين نجح ما يقارب 30 سجيناً من الفرار، من ضمنهم مقاتلان اثنان من "وحدات حماية الشعب" الكردية.

التنظيم اعتقل عدداً كبيراً من المواطنين، نتيجة شكوك بكونهم من المعتقلين، ليتم الافراج عنهم لاحقاً. بينما قام مقاتلو التنظيم بالتجوال ضمن رتل عسكري، وقد وضعوا السجناء الذين تمت إعادة اعتقالهم في آلياتهم، وتجولوا بهم في أنحاء مدينة الباب.

فراس محمد العلي، سجين تمكن من الهرب، والوصول إلى مناطق سيطرة المعارضة، ومنها إلى الأراضي التركية. العلي من أبناء مدينة منبج بريف حلب، وهو ناشط في المجال الإعلامي العسكري، وكان لـ"المدن" هذا اللقاء معه:

بعد سيطرة التنظيم على مدينة منبج بفترة، قام باعتقال عدد من الناشطين الذين تمت تصفيتهم، يقول العلي: "فقررت الهرب إلى مناطق سيطرة المعارضة بمدينة حلب، ليقوم التنظيم باعتقالي عند حاجز مدينة الباب". وتم التعرف على العلي من أحد أبناء منبج، واقتادوه معصوب العينين إلى معتقل لم يعرفه، و"لم أر النور فيه لفترة طويلة، ضمن زنزانة انفرادية بقيت فيها لثلاثة أشهر، قبل أن يتم نقلي إلى مهجع جماعي ضم عدداً كبيراً من السجناء، والذي بقينا نسمع فيه أصوات الناس الذين يتم تعذيبهم". العلي قضى سبعة أشهر في المعتقل، لا تعلم عائلته عنه شيئاً.

يضيف فراس: "أثناء تواجدنا داخل السجن الكبير على الأطراف الشمالية الشرقية لمدينة الباب، سمعنا أصواتاً تتعالى لسجناء لم نعرف عددهم، يتكلمون بلغة لا نعرفها يتم تعذيبهم بشكل مستمر. وكان من بينهم شخص عربي ظلّ يُشتمُ ويُقال له: أنت خائن ومرتد، لقد أمنّ لك الخليفة كل شيء تحلم به، من مال وجاه وسلطة ونساء، فتخون الأمانة وترتد عن دين الإسلام؟ سيتم اعدامك وقد خسرت دنياك وآخرتك، بعد أن سحبت مقاتلين أجانب معك للهرب من دولة الخلافة إلى دولة الكفر". بقي الحال، لمدة أسبوع، والمساجين يستمعون إلى أصوات تعذيب رفاقهم.

آمر السجن أبو آدم، سعودي الجنسية، وكان قد مضى على تسلمه السجن مدة شهرين، خلفاً لآمر السجن السوري أبو محمد، الذي قتل بغارات التحالف. أبو آدم كان حسن المعاملة مع المعتقلين، وكان يُسمع وهو يطلب من السجانين الاعتناء بالمعتقلين واعطائهم الطعام والشراب وعدم تعذيبهم. أبو آدم تعاطف مع السجناء الأجانب برفقة العربي الذي اتضح أنه تونسي الجنسية، وقام بتهريبهم خارج السجن، "لكن سرعان ما سمعنا أصوات اطلاق الرصاص، واشتباكات استمرت لساعات، ولم يُعرف ما حصل بعدها مع آمر السجن أبو ادم، أو للعناصر التي قام بمساعدتهم في الهرب" بحسب العلي.

بعد هرب السجناء الأجانب، وفي صباح اليوم التالي قام عدد من عناصر التنظيم بالدخول إلى السجن للتفتيش، و"طلبوا منا أن نحضّر أنفسنا مساءاً للخروج من السجن، كنا نظن أننا سنخرج لحفر الخنادق قرب بلدة اخترين كما كان يفعل التنظيم معنا كل فترة، إلا أنهم ومع حلول وقت المغرب اقتادونا إلى مبنى قرب دوار تادف جنوبي مدينة الباب، وقد دمّرت معظم أجزائه، وبقيت في داخله غرفة واحدة صغيرة، تم جمعنا كلنا داخلها، وأغلقوا علينا الباب، ولم نعد نسمع لهم صوتاً". يتابع العلي: "وفجاء قال أحد السجناء إن الجدار متداعٍ، ومن الممكن أن يقع فوقنا ويؤذينا، بسبب تصدعه من القصف. ليقوم آخر بدفع الجدار فيقع جزء منه واستطعنا الهرب من ثغرة فيه".

المعتقلون الفارون انتشروا في محيط مدينة الباب، ولم يعرف الحراس عن هروبهم إلا بعد وصولهم إلى أحد حواجز التنظيم، فأطلقوا النار عليهم ما أدى لإصابة عدد من الفارين بجروح. يتابع العلي: "هربنا أنا وثلاثة آخرون، ولم نستطع التوقف للنظر ومساعدة الجرحى، كوننا نخاف من أن يتم إعدامنا في حال تمت إعادة القاء القبض علينا".

اتجه العلي وأصدقاؤه إلى أحد المعارف في قرية قرب مدينة الباب، والذي بدوره "نقلنا وبصعوبة إلى منزل آخر أكثر أمناً ضمن القرية. ثم قام بنقلنا إلى مناطق سيطرة المعارضة بسيارة لنقل الماشية، وتمددنا تحت الأغنام كي لا يرانا مقاتلو التنظيم على الحواجز، ووصلنا إلى منطقة حور كلس قرب الحدود التركية السورية". في المساء وصل العلي إلى الأراضي التركية بمساعدة مهربين.

العلي نفى "أن يكون هناك أحد من المعارضة قد ساعدهم على الهرب من السجن، كون السجون سرية ولا يعلم أحد بمكانها".

العلي روى حكايات عما يلاقيه المعتقلون من تعذيب في سجون تنظيم الدولة، وشبهه بالأساليب التي يتبعها النظام السوري. فراس كان قد اعتقل في سجون النظام بسبب مشاركته في مظاهرة بجامعة حلب، مطلع الثورة السورية. قال العلي: "مع بداية فترة اعتقالي لدى التنظيم تعرضت للتعذيب وبشكل قاسٍ، وكان ابن مدينتي الذي لا أعرف إلا شكله، يُشرف على تعذيبي والتحقيق معي". العلي أكّد أنه من ضمن السجانين الذين يعذبون المعتقلين، أطفال صغار، جندهم التنظيم ليقوموا بمثل هذه الأعمال التي "تجعلهم يشعرون بالفخر". ويتابع: "بقيت لثلاثة أشهر داخل غرفة لا تتجاوز مساحتها متراً مربعاً، وبظلام كامل". المحقق كان يعيد الأسئلة ذاتها لفراس: "كم مقاتل قتلت؟ لماذا وقفت إلى جانب الصحوات؟ من معك؟ أريد منك أسماء الذين كانوا معك كي أقوم بالتخفيف عنك". يكمل فراس: "المحقق كان يعلم بأنني من الذين رفعوا علم الثورة السورية، وقال لي إنها راية (عمية)، ومن يموت في سبيلها سيخلد إلى النار، وأنني سأموت وأدخل النار". وظل المحقق يحاول مع فراس إلى "أن يئس مني وقام بنقلي إلى السجن الذي يبقى فيه المعتقل بانتظار الحكم عليه".

يكمل العلي: "خلال فترة وجودي في السجن الجماعي، تم إعدام 40 سجيناً كانوا معنا، من بينهم ثلاثة من مقاتلي المعارضة من عائلة واحدة، بينهم طفل لم يبلغ الــ 14 عاماً". حيث كان السجانون يدخلون المعتقل، ويسألون عن الشخص المطلوب، و"يقولون له بكل بساطة إن القاضي الشرعي في الولاية حكم عليك بالقتل لثبوت ردتك. ويقتاد الشخص مساءاً إلى مكان مجهول، ولا نعلم عنه شيئاً بعدها". العلي أكد أنهم لم يشاهدوا القاضي الشرعي أبداً.

فراس يقول بإن التهم كانت جاهزة للجميع، وهي: "موالاة الكفار على الدولة الإسلامية والردة عن دين الإسلام". المعتقلون الأكراد من بلدة قباسين وقرية البرج قرب مدينة الباب، وجهت لهم تهم الانتماء للأحزاب الكردية. كما أن معتقلاً مسناً من حي بستان القصر، وهو نازح إلى مدينة الباب، تم توقيفه بتهمة أنه تاجر مخدرات، وذلك نتيجة رفضه تزويج ابنته لأحد مقاتلي التنظيم. بينما توفى ثلاثة سجناء بسبب سوء حالتهم الصحية وقلة الرعاية الطبية في السجن.


increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها