الثلاثاء 2015/12/08

آخر تحديث: 12:54 (بيروت)

ألمانيا: مناهضو اللاجئين "يأكلون الشاورما سراً"

الثلاثاء 2015/12/08
ألمانيا: مناهضو اللاجئين "يأكلون الشاورما سراً"
شاب ألماني يحمل يافطة تقول إن معارضي استقبال اللاجئين "يأكلون الشاورما سراً" (كارلا الزايد)
increase حجم الخط decrease

قد تكون موسيقى رامي خليفة وأغاني "الأندرغراوند" العربي آخر ما تتوقّع أن تصادفه في شوارع مدينة إرفورت، عاصمة ولاية تورنغن وسط ألمانيا الموحّدة، التي تحاول أن تتأقلم مع حوالى 4000 لاجىء قدموا إليها من صراعات الشرق الأوسط.

وسط المدينة الأثري، المحافظ على طابع القرون الوسطى بمنازله وحجارة شوارعه الضيّقة وكنائسه الأثرية، أصبح على موعد شبه أسبوعي مع تظاهرتين مسائيتين متعارضتين. الأولى يقودها، حزب "البديل من أجل ألمانيا" (AFD) المتطرف المعادي للأجانب واللاجئين الوافدين، وخاصة المسلمين. تتجمّع التظاهرة الحاشدة في ساحة كاتدرائية إرفورت، بشعارات شعبوية وقومية ضد "أسلمة" ألمانيا وأوروبا، وصور تنتقد المستشارة الألمانية وزعيمة "الاتحاد الديموقراطي المسيحي" أنجيلا ميركل، بتصويرها مرتدية الحجاب الإسلامي، كإحتجاج على موقفها وسياستها تجاه استقبال اللاجئين.



على بعد أمتار من هذه التظاهرة، يتجمّع آلاف الشبان والشابات الألمان قرب محطة القطار الرئيسية في المدينة. تتقدمهم سيارة "فان" مصحوبة بمكبّرات للصوت، تضجّ بأغان حماسية ألمانية وعربية دعماً للاجئين. أما الهتافات فتؤكد على ترحيب ألمانيا باللاجئين، وتصف المتظاهرين على الطرف الآخر بالفاشيين والنازيين الجدد، بينما يحمل شاب لافتة تقول إن معارضي استقبال اللاجئين "يأكلون الشاورما سراً".

يسير المتظاهرون، الذين اختار بعضهم لفّ الكوفية الفلسطينية على أعناقهم، باتجاه ساحة الكاتدرائية لملاقاة التظاهرة الأخرى، غير أن انتشار مئات من عناصر الشرطة يمنع تصادم الطرفين، وتقلص الحواجز المعدنية المستحدثة احتمالات الاشتباك المباشر بين المتظاهرين ليقتصر الأمر على تبادل الشتائم. أما الكاتدرائية فتشارك على طريقتها في الاحتجاج، وتعمد إلى إطفاء أنوار ساحتها عند امتلائها بالمتظاهرين المتطرفين، لتسجيل موقفها المعارض لهم.


يشرح مفوّض أسقف تورنغن، وينفرد وينرش لـ"المدن"، أن هذه الحركة الرمزية تستكمل الجهود العمليّة التي تبذلها الكنيسة ومؤسساتها الخيرية، خاصة "كاريتاس"، منذ سنوات لمساعدة اللاجئين على الاستقرار في المدينة في جو خالٍ من الكراهية، "انطلاقاً من تعاليم الانجيل والمادة الأولى من الدستور الألماني التي تؤكد على أن كرامة الإنسان مصانة".


انطلاقاً من هذه المفاهيم، يرفض وينرش بشكل مطلق فرض أي حصة نسبية لعدد اللاجئين الذين بإمكانهم دخول ألمانيا، لكنه يعترف في الوقت نفسه أنه "من غير الواقعي أن تتحمّل ألمانيا الوزر وحدها"، مشيراً إلى المحادثات السياسية التي تجريها برلين مع أنقرة "لمناقشة كيفية التعامل مع تدفق اللاجئين، وفرص توفير أماكن لجوء للسوريين أقرب إلى حدود بلدهم.. فمن غير الواقعي أن يأتوا جميعاً إلى أوروبا".


ويعلّق وينرش آمالاً كبيرة على نجاح الوافدين الجدد في التأقلم مع قيم المجتمع الألماني الذي أصبح بدوره أكثر تعددية، ويضيف "هذه القيم ليست ألمانية أكثر مما هي معايير أساسية للعيش بحرية ليس فقط في ألمانيا وإنما في أي دولة ديموقراطية".


أما لجهة عمل الكنيسة، فهي بالإضافة إلى تنظيمها نشاطات مختلفة على الأرض، تمارس ضغوطاً على وزارة الهجرة في بعض حالات الترحيل الأكثر صعوبة، وتقدم ما يُعرف بـ"اللجوء الكنسي" لبعض اللاجئين الذين يعانون من صعوبات وخطورات جمّة في العودة. في هذه الحالة تقدّم الكنيسة بعد دراسة معمقة لملفات هؤلاء، بغض النظر عن خلفياتهم الدينية، مكاناً آمناً للسكن ريثما تعيد الحكومة درس الملف والتفكير بخيار عوضاً عن الترحيل، فـ"الحكومة لا تستطيع ببساطة دخول الكنيسة وطرد اللاجئين منها" يقول وينريش. لكن قانونياً، لا وجود لشيء اسمه "اللجوء الكنسي"، بل إن هذه الحالة وُجدت نتيجة ضغط مارسته الكنيسة على الحكومة، "ووافق الطرفان في نهاية الأمر على فترة تجريبية تعطي خلالها وزارة الهجرة هذه الحق للكنيسة، على شرط ضبطه بدقة"، يضيف وينرش.



إعادة إحياء "الخطاب النازي"


ويُعلق المسؤول الكاثوليكي باستغراب على استعمال المناهضين لاستقبال اللاجئين، حجة "الخوف على الهوية المسيحية لأوروبا" في خطابهم، كون أغلب جمهور اليمين المتطرف لا علاقة له بالمسيحية كديانة منظمة. ويضيف وينرش "حتى إن بيورن هوكيه (ممثل الـAFD في البرلمان المحلي لتورنغن) لا يعرّف عن نفسه بأنه مسيحي". ويرى وينرش أن في خطاب الحزب المتطرف تلميحات تشير إلى عودة الخطاب النازي إلى الشارع، خاصة لجهة استعماله عبارة أدولف هتلر الشهيرة "ألف سنة من الإمبراطورية الألمانية". 


رئيس التجمعات اليهودية في تورنغن وينهارد شرام، أبدى من جهته تخوفه من أن التعصّب الذي ينتشر في المجتمع الألماني على خلفية أزمة اللاجئين، قد يعيد إلى الواجهة مسألة معاداة السامية، لكن هذه المرة باتجاه العرب والمسلمين في البلاد. وتحدّث شرام عن أن خوف الأقليات اليهودية من النازية الجديدة يعادله الخوف من انتشار الإسلام المتطرف. وعلى الرغم من ذلك، يبدي شرام رفضه لفرض حصص محددة على دخول اللاجئين لألمانيا، من منطلق أن لكلّ لاجىء الحق في دخول البلاد، ولا يجوز إغلاق الحدود أمام المحتاجين. وأكّد أن الحل الوحيد لتبديد مخاوف جميع الأقليات مسلمين كانوا أم يهوداً، هو التعليم والثقافة والتواصل بين جميع فئات المجتمع.


ويقول شرام، الذي التقت به "المدن" خلال معرض للحرف الفنية السورية-اليهودية الأثرية، نظّمه قسم دراسات الشرق الأوسط في جامعة إرفورت، إن على جميع المؤسسات الدينية والحزبية والمدنية "أن تعمل سوية وتشاطر المسؤوليات من أجل توفير معاملة إنسانية للاجئين". ويعتبر أن مشاركة المؤسسات اليهودية في الترحيب باللاجئين تأتي في بعدها الخاص، "لمعرفتها ما يعني أن يكون المرء مضطهداً وغير مرحب به"، مشيراً إلى أن التجمعات اليهودية تشارك في أنشطة مع منظمات إسلامية ومسيحية هدفها تسهيل استقرار عائلات وأفراد لاجئين في الولاية.


وكشف شرام إنه في الإطار الأضيق لعمل المؤسسات اليهودية، فهي تولي أيضاً اهتماماً للاجئين السوريين ذوي الديانة اليهودية، خاصة "لجهة تعرّضهم لمضايقات من قِبَل لاجئين آخرين في مراكز اللجوء الأولية". أما لجهة التفاعل على الأرض بين المؤسسات اليهودية واللاجئين، فيشير شرام إلى أن حاخام منطقة ساكسونيا من أصول مغربية، وهو يستخدم معرفته للغة العربية من أجل التقرّب من اللاجئين وبناء تفاعلات شخصية معهم.



إمام مسجد إرفورت: لا للاندماج.. نعم للمشاركة


على قدر إمكانياته المتواضعة، لعب المسجد الوحيد في المدنية دوراً أساسياً في التعرّف على احتياجات اللاجئين لحظة وصولهم مراكز الإقامة الأولية؛ أبرزها مسألة الطعام المجهز، والذي بطبيعة الحال يحتوي على لحم الخنزير، ومسألة فصل سكن العائلات عن الأفراد، والنساء عن الرجال، وهي أمور وحساسيات ثقافية كانت إدارة المراكز الألمانية تجهلها.


"حاولنا قدر الإمكان التفهّم والتوفيق ما بين البيروقراطية الألمانية وحاجيات اللاجئين الأساسية التي لم تكن تتحمّل أي تأخير، وعملنا في البداية كمترجمين لتوصيل مطالب اللاجئين كافة دون التفريق بين دياناتهم وأعراقهم"، يشرح إمام مسجد إرفورت، الشيخ الأردني-الفلسطيني الأصل مروان المعطي لـ"المدن". ويشير إلى أنه جرى على مراحل التعاون مع منظمات أخرى، مثل "كاريتاس"، لتقديم ملابس للاجئين كون معظمهم قد قضى أسابيع بين البحر والبرّ  فقدوا خلالها أمتعتهم.


أما لجهة تصاعد الخطاب المعادي للأجانب والإسلام بشكل عام في ألمانيا، فيرى المعطي أنه تضاعف عن السنوات الماضية نتيجة تفاقم أزمة اللاجئين من جهة، والتشكيك بفرص نجاح الحكومة الألمانية في مهامها من جهة ثانية. وبحسب المعطي، المقيم في ألمانيا منذ أكثر من عشر سنوات، فأصبح هذا الخطاب الآن يلقى صدىً لدى آلاف من الألمان في المدينة، بعدما كان عدد مناصريه في السابق لا يتجاوز أصابع اليدين.


المعطي الذي يعرّف عن نفسه بأنه شيخ سلفي، يقول إن خوف المجتمع الألماني بشكل عام من قدوم اللاجئين وتغييرهم ديموغرافية البلاد "طبيعي جداً"، لكنه يضيف إنه يدعو في خطب الجمعة اللاجئين "إلى المشاركة في المجتمع الألماني تحت القوانين، بدون الاندماج والذوبان فيه وفقدان هويتهم الثقافية والدينية".



المبادرات الفردية أكبر قوة دفع مؤثرة على الأرض

إلى جانب المؤسسات الدينية، يبقى المجتمع الأهلي الألماني والمبادرات الفردية أكبر قوة دفع شعبية باتجاه مساعدة اللاجئين واستقبالهم، وتحسين ظروف معيشتهم. تشرح رئيسة قسم دراسات الشرق الأوسط في جامعة إرفورت، البروفيسورة بيرجيت شابلر لـ"المدن" أن أسباب اندفاع الشباب الألماني للمساعدة والنزول إلى الشارع للتظاهر بهذا الشكل المتخطي للتوقعات، قد تفسر بأن هؤلاء الشباب قد وجدوا أخيراً قضية اجتماعية وسياسية في آن، تشعرهم بإمكان المساهمة بها والتغيير عبرها، وأخيراً جعلها قضية شخصية لكل واحد منهم. لكنها تتخوف من أن غياب سياسة تنظيمية حكومية لاستيعاب اللاجئين قد يتحول عبئاً على المتطوعين، ويرهقهم شيئاً فشيئاً وبنتيجة الأمر يطفىء حماستهم. وتعطي مثالاً عن بعضٍ من تلاميذها الذي باتوا يتغيبون عن حصصهم الدراسية لمرافقة اللاجئين إلى الدوائر الرسمية والمستشفيات بغرض الترجمة. 


في هذا الإطار، ترى شابلر أن "ثقافة الترحيب" القائمة حالياً يجب أن تستمر، لكن بالتزامن مع خطة حكومية على مستويات متعددة، لتغطية احتياجات اللاجئين من تأمين الأكل والسكن وصولاً إلى المساعدة الاجتماعية والنفسية والقانونية.


ولشابلر، التي تربطها علاقة مميزة "بالأصالة الشامية" كما تصفها، منذ أن قصدت دمشق بغرض تعلم اللغة العربية في ثمانينيات القرن الماضي، وعودتها للعمل على رسالة الماجيستر من السويداء، دور كبير في تفعيل عمل قسم دراسات الشرق الأوسط تجاه اللاجئين، وهي غالباً ما تشرك عدداً من الشبان السوريين والعراقيين في حلقات الدراسة المخصصة لتعلم اللغة العربية، بغرض إيجاد مساحة للتفاعل الأكاديمي بين الشباب الألماني والعربي.


في ضيافة سوريا

لدى كل سوري وصل إرفورت قصة لجوء تعادل حياة بكل تفاصيلها، فأضحت قصص عبورهم الثقيلة على القلب أشبه بخداع الموت من أي شيء آخر. على رائحة التنبك المحروق المببعث من رأس نرجيلة، وصوت وديع الصافي في الخلفية، يروي الشاب السوري "هشام"  (اسم مستعار)، قصة عبوره إلى "الحياة الجديدة" بتفاصيل مذهلة. يتذكر هشام كيف عايش أول أيام الثورة في داريا، وكيف نجا وعائلته من المجزرة صيف 2012. بإلحاح والدته، غادر هشام دمشق نحو ليبيا مع أقاربه، لكن القدر شاء أن يستقرّ في مصر إلى حين ما أقنعه أصدقاؤه بالتوجه إلى ألمانيا وبناء حياة جديدة فيها. وصل هشام الى إرفورت بعد مراحل من فرز اللاجئين منذ لحظة وصولهم إلى الحدود مع النمسا، وهو مستقرّ الآن في شقة وتعلّم ما يكفي من الألمانية ليخوله العمل في متجر صغير لبيع المأكولات العربية.



"جبت معك دولاب؟"

"أخيراً تحقق حلمنا وأصبحنا لاجئين"، يقول أحمد (اسم مستعار) بحسرة وتهكم وهو محاط بعائلته وعائلة عديله، في غرفة ضيقة في أحد المباني الواقعة في ضواحي إرفورت، حيث الفن المعماري السوفياتي لا يزال طاغياً.


يتحدّث أحمد، الذي استضاف "المدن" على وليمة بضيافة شرقية دافئة منقطعة النظير في بلد الصقيع، بألم عن حياته وأحوال عائلته ما قبل اندلاع الثورة في سوريا، فهو كان يعمل في أبوظبي وكانت أحواله أكثر من جيدة، لكن مع انتهاء عقد العمل وامتناع السلطات الإماراتية عن تجديده، لم يجد أحمد نفسه وعائلته سوى خارج الإمارات عائدين إلى درعا حيث القصف يومي، من كل الجهات. وبعد أشهر من المعاناة قرر أحمد المخاطرة والمجيء إلى ألمانيا "فإما نموت كلنا أو نعيش كلنا بأمان"، وصودف أن "احتفل" أحمد وعائلته برأس السنة الماضية على متن سفينة في عراء البحر اليوناني.


قد يكون الشيء الوحيد الذي يفرح  أحمد هو تمكن ولده البكر من تعلّم ما يكفي من اللغة الألمانية خلال 3 أشهر فقط من مدة وجوده في البلاد، وهو يعلم أن اللغة هي الحاجز الأساسي الوحيد أمام دخوله في سوق العمل وتأمين معيشة لائقة لعائلته.


لا يخفي أحمد عتبه على الحكومات العربية التي خذلت السوري، واصفاً إياها بـ"الفاشلة". يوافقه على هذا الأمر عديله حسان (اسم مستعار)، متذكراً سوء المعاملة التي جوبه بها عند محاولته عبور الحدود السورية-اللبنانية هرباً من معركة "عاصفة الجنوب"، ليسأله عنصر أمني لبناني بابتسامة صفراء "جبت معك دولاب؟".


**ساعدت كريستينا بروتمان في ترجمة بعض المقابلات في هذا التحقيق

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها