الأربعاء 2014/03/19

آخر تحديث: 03:13 (بيروت)

ضم القرم.. يحول الصراع إلى عسكري؟

الأربعاء 2014/03/19
ضم القرم.. يحول الصراع إلى عسكري؟
أوكرانيا منحت جنودها حق استعمال السلاح بعد هجوم على قاعدة أوكرانية (أ ف ب)
increase حجم الخط decrease
ضاربة بعرض الحائط كل المعايير الدولية والأعراف والمواثيق المتعلقة بإنشاء علاقات سليمة بين الدول، وقعت روسيا اتفاقية انضمام شبه جزيرة القرم ومدينة سيفاستوبول لها، كوحدتين إدارتين ذات طبيعة خاصة، بعدما أطلق الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، سهامه تجاه الغرب الأوروبي والولايات المتحدة الأميركية معتبراً أنهم تجاوزوا كل الخطوط الحمراء.

القيصر الروسي رأى في انضمام القرم تصحيحاً "للخطأ" الذي ارتكبه الزعيم السوفييتي نيكيتا خروتشوف، الذي "انتهك الدستور" بإهدائه  شبه الجزيرة للدولة الأوكرانية، بعد أن قدم عرضاً لتاريخ القرم منذ القرن الثامن عشر، وقدم ضمانات لطمأنة الأقليات في تلك المنطقة، بأن حقوقهم لن يتم التعرض لها، وحتى أن اللغات التي سيتم اعتمادها ستكون الروسية والأوكرانية ولغة تتار القرم، مع ضمانات بإعطائهم كل حقوقهم التي انتهكت في عصور مضت.
 
بوتين اعتبر أن نقل القرم من اليد الروسية إلى اليد الأوكرانية بعد انهيار الاتحاد السوفييتي كان أشبه بنقل "كيس بطاطا" حسب وصفه. وحاول سيد الكرملين التأثير على المشاعر الوطنية للروس قائلاً :"القرم كانت وستبقى جزءاً لا يتجزأ من روسيا، هذه القناعة المبينة على العدالة والحقيقة تناقلتها الأجيال جيلاً بعد جيل، فالوقت والظروف لن تتمكن من محوها، والتغيرات الهائلة التي شهدتها بلادنا لن تتمكن من محوها أيضاً".
 
ضابط المخابرات السابق الذي تنقل بين مراكز السلطة في الاتحاد السوفييتي وروسيا الاتحادية ليتربع على عرشها لاحقاً، ركز، الثلاثاء، على إبراز صورة المخلّص، الذي استعاد أرضاً تعود للأجداد، ونوه أن قرار التسليم أثار تساؤلات سكان شبه الجزيرة، لكن الحدث الذي جرى "في ظروف دولة شمولية لم يتح للمواطنين إبداء رأيهم، بل وتم وضعهم أمام الأمر الواقع".
 
ومن السرد التاريخي، إلى لغة الأرقام، التي ذكرها بوتين في خطابه أمام مجلسي الدوما (النواب)، والاتحادي الروسي (الشيوخ) إضافة إلى رؤساء الأقاليم الروسية، بأن أحدث استطلاعات الرأي -دون تحديد المصدر- أشارت 92 في المئة من الروس يدعمون قرار الضم، وإلى الاحتفالات في الساحة الحمراء التي حضرها الرئيس مع زعماء السلطات الحالية في القرم وسيفاستوبول، وقدم خطاباً "رومانسياً" مقتضبا برزت فيه عبارة "سفينتا القرم ومدينة سيفاستوبول تعودان إلى  شواطئ الوطن، إلى الميناء الأم، إلى روسيا" التي تناقلها البعض عبر شبكات التواصل الاجتماعي، لتكون الصورة المراد رسمها قد اكتملت، لوضعها لاحقاً على طاولة الحوار مع الغرب.
 
المشهد السابق، مضافاً إليه المشهد الحالي في الأجزاء الشرقية الأوكرانية كمدن خاركوف ودونيتسك وغيرها والتوترات التي تشهدها المنطقة هناك، مع بدء نداءات تطلقها بعض الجهات فيها تدعو لإعلان الفيدرالية مع أوكرانيا من جانب، ومن جانب آخر ضمان أمن المواطنين الروس فيها، مع صياغة جديدة لدستور البلاد، هي أوراق الضغط الروسية التي من المتوقع أن تطرحها روسيا في مواجهة كييف، ولتكون هذه العثرات التي ستعلنها موسكو أمام الاتحاد الأوربي وواشنطن، ملوحة بتدخل عسكري لحماية مواطنيها، ولينتج عن هذا أخيراً إيجاد حل وسط تضمن فيه أوروبا عدم توغل روسيا في الأراضي الأوكرانية، وتضمن موسكو إلغاء العقوبات بحقها، وإغلاق ملف القرم للأبد.
 
من جهتها، تلّقت الدول الأوربية توقيع الاتفاقية وخطاب الرئيس الروسي، بسخط شديد. الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند، ندد بالقرار واعتبر أن على أوروبا أن تقدم رداً "قوياً"، وقال هولاند في بيان "أدين هذا القرار، فرنسا لا تعترف لا بنتيجة الاستفتاء، ولا بضم هذه المنطقة الأوكرانية إلى روسيا، وعلى الاجتماع المقبل للمجلس الأوروبي في 20-21 مارس أن يوفر فرصة لرد أوروبي قوي ومنسق على هذا الحاجز الذي جرى تجاوزه للتو".
 
واعتبر وزير الخارجية البريطاني وليام هيغ أن بوتين "اختار مساراً يؤدي إلى عزلة روسيا بتحركه نحو ضم منطقة القرم الأوكرانية" مضيفاً أنه "من المؤسف أن نسمع الرئيس بوتين اليوم وهو يختار مسار العزلة ويحرم مواطني بلده والقرم من الشراكة مع المجتمع الدولي والعضوية الكاملة في عدد من المنظمات الدولية"، وأعلن، هيغ، أن بريطانيا علقت تعاونها العسكري مع روسيا وألغت مناورة بحرية مشتركة.
 
يأتي ذلك، في الوقت الذي أكد فيه المتحدث باسم البيت الآبيض، جاي كارني، أن واشنطن ستفرض عقوبات جديدة على روسيا، بعد أن كان نائب الرئيس الأمريكي جو بايدن قد وصف تدخل روسيا في شبه جزيرة القرم الأوكرانية بأنه انتزاع للأراضي، وأكد على التزام واشنطن بالدفاع عن أمن حلفائها في حلف شمال الأطلسي على الحدود الروسية، وقال إن الضمانات الأمنية الجماعية لا تزال الركيزة الأساسية لحلف شمال الأطلسي وإن واشنطن ستتخذ إجراءات إضافية لتعزيز الحلف في المستقبل، مهدداً أن روسيا ستواجه إجراءات إضافية من الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة إذا مضت قدماً في خطتها لجعل القرم جزءاً من أراضيها.
 
ويرى الكثيرون أن هذه التصريحات ستبقى "جعجعة، بلا طحين" في حال لم يتم ترجمتها على أرض الواقع، وردع "الغطرسة" التي تمارسها روسيا وعدم اكتراثها بكل ما يحيط بها، والتي انتقلت مراحلها سريعاً. على الجانب الآوكراني كان المشهد مختلفاً، واختلفت الصيغة بين تصريحين لرئيس الوزراء الأوكراني أرسيني ياتسنيوك، نفى في الأول أن يكون لكييف نوايا في الانضمام لحلف شمال الأطلسي (الناتو)، قائلاً "بدقة، وبغية الحفاظ على وحدة أوكرانيا، مسألة الانضمام لحلف الناتو ليست على جدول الأعمال"، وهي تصريحات اعتبرها البعض تهدئة للأزمة وبأن غايتها "طمأنة روسيا" بعد أن أقلقت هذه النقطة موسكو طوال المدة الماضية، إلا أن ياتسنيوك صعد اللهجة لاحقاً واعتبر في لقائه مع الصحافيين في مقر وزارة الدفاع الأوكرانية، أن النزاع مع روسيا انتقل من المرحلة السياسية إلى المرحلة العسكرية، وذلك إثر مقتل جندي أوكراني وإصابة آخر بنيران جنود روس أطلقوا نيرانهم على قاعدة عسكرية أوكرانية تجاور مدينة سيفاستوبل، وأبلغوا الجنود التابعين للقاعدة بأنهم "قيد الاعتقال"، لذا ردت أوكرانيا بمنح جنودها حق استعمال السلاح للدفاع عن النفس.
 
التصعيد الأخير يعتبر الأخطر من نوعه حتى اللحظة، فوضع أوكرانيا في مواجهة مع روسيا قد يسمح للأخيرة استعمال الذرائع لتوسيع مساحة تدخلها العسكري، ويضع المنطقة بالفعل على شفير الهاوية أو الخضوع لإرادة الدب الروسي.
 
increase حجم الخط decrease